2020-02-02

فكر سياسي فلسطيني بعد حرب 1967 يدعو إلى شبه "صفقة القرن"

جذور "صفقة القرن" في فكر سياسي فلسطيني بعد حرب 1967

قراءة في كتاب " لا سلام بغير دولة فلسطينية حرة"


إعداد :  نسيب شمس

أواخر العام 1971 نشر الصحافي الفلسطيني "محمد أبو شلباية" كتاباً بعنوان "لا سلام بغير دولة فلسطينية حرة". وكان من أهداف المؤلف تحويل أفكار هذا الكتاب إلى هدف سياسي لتجمع سياسي محلي في الضفة الغربية وقطاع غزة ومطالبة المقاومة الفلسطينية آنذاك بتبنيها كما ورد في الكتاب (ص 69). وقتذاك كانت سلطات الاحتلال الإسرائيلي بدأت بالتفكير في إقامة انتخابات محلية تحت الاحتلال كخطوة أولى لإضفاء الشرعية على الاحتلال وإيجاد مركز فلسطيني محليس يتماشى مع مخططات الاستيلاء والاستيطان. آنذاك رأى الدكتور عدنان العمد أن الكتاب جزء من الردة  السلبية على الاحتلال والتي بدأت تعم أوساطاً رسمية وشعبية عديدة في الوطن العربي مطلع السبعينيات من القرن العشرين، عدا عن تأثر تلك الأوساط بما جرى بعد حرب العام 1967؛ من قبول بعض الحكومات العربية للحلول السلمية، مثلا: قبول الهدنة، تقبل قرار مجلس الأمن 242، مهمة بارينغ، مشروع روجز الأميركي، ووساطة منظمة الوحدة الإفريقية.

المؤلف "محمد أبو شلباية" كان الإسم الوحيد المعروف من بين المعلقين العرب في الصحف العربية الصادرة تحت الاحتلال، مثل جريدة "القدس"؛ وهي جريدة "الجهاد" سابقاً، وكان قد جرى بعد الاحتلال الإسرائيلي عام 1967 تعديل كبير على هيئة تحريرها واتجاهها وأسلوبها.

كان قد سبق للمؤلف أن قدم الآراء الواردة في الكتاب، وطرحها في عدة مقالات وتعليقات في جريدة "القدس" وجريدة "الانباء" ( وهي جريدة كانت تصدر باللغة العربية في المناطق المحتلة قبل العام 1967). وقد دارت المقالات والتعليقات حول موضوع "دولة فلسطينية" في المناطق المحتلة متعايشة مع دولة إسرائيل وقائمة على أساس الانتخابات المحلية أو على أساس وجود تجمع فلسطيني سياسي داخل المناطق المحتلة تستطيع إلى حد ما تمثيل الشعب الفلسطيني والتعبير عن مشاكله وتطلعاته نحو المستقبل. لذلك فإن الكتاب يبدو للقارئ الذي سبق وأطلع على تعليقات "أبو شلباية" وكأنه إعادة لهذه الآراء على شكل كتاب. ومحور هذه الآراء يدور حول فكرتين أساسيتين هما:

أولاً: إن الشعب الفلسطيني شعب مخدوع عربياً ودولياً وإن جميع الأطراف تتآمر على مستقبله ومصيره وإنه لغاية الآن (أي العام 1971) لم تتوفر له فرصة للإختيار أو تقرير المصير.


ثانياً: بعد سلسلة الهزائم العربية والفلسطينية ليس هناك طريق للشعب الفلسطيني سوى تشكيل دولة في المنطقة المحتلة عام 1967 على أن تكون هذه الدولة متعايشة ومتصالحة مع إسرائيل ومستقلة مرحلياً عن الأردن وباقي الدول العربية.


حول هاتين الفكرتين يقدم "أبو شلباية" تشكيلة من الآراء السياسية والاجتماعية والعسكرية تتراوح بين "عقد سلام متكافئ وحر وقائم على نيل كل ذي حق حقه المشروع" (ص 6) وبين "قيام اتحاد الجمهوريات العربية الذي سيضم الدولة الفلسطينية وجميع الدول العربية ودول الأقليات القومية في الوطن العربي، كاليهود في فلسطين والأكراد في العراق والزنوج في السودان والبربر في دول المغرب العربي (ص 86). وحول فكرة عقد السلم المتكافئ وفكرة قيام اتحاد الجمهوريات، جاء الكتاب في خمسة فصول؛ هي: إقامة دولتين في فلسطين، ماعز وضان، تسليم الضفة، المنظمات الفلسطينية، وأخيراً: ماذا يريد الفلسطينية.

 وفي ما يلي مقتطفات مختارة من الكتاب.


تساءل الكاتب في الصفحة التاسعة : هل قضية فلسطين من التعقيد بحيث لا يقدر أحد من الأقوياء وغير الأقوياء على حلها؟ ويستشهد بعدة قضايا معقدة تم حلها بأقل ما يمكن من الكوارث إذا ما قيست بالكوارث التي تمخضت عنها القضية الفلسطينية، ويذكر على سبيل المثال الجزائر وجنوب اليمن وكوريا وكوبا.

ويتحدث الكاتب في الصفحة العاشرة عن مصالح الشعبين الفلسطيني واليهودي حيث يقول " تتلخص القضية الفلسطينية باختصار شديد في وجود شعبين فوق أرض فلسطين هما الشعب الفلسطيني والشعب اليهودي". وأن "الشعبين الفلسطيني واليهودي" قد رحبا بحل التقسيم وآمنا به عند إعلان الإمم المتحدة له سنة 1947 (ص 11).

ويذكر الكاتب "أن حزب العمال والحزب الشيوعي الفلسطيني قد ايدا إقامة دولتين في فلسطين، وهذا يعني أن الغالبية  الساحقة من الشعب الفلسطيني قد أيدت ذلك الحل وباركته"(ص 12).

كما استنتج "أبوشلباية" أن "الثورة العربية الكبرى أو يسميه بالنكبة الهاشمية" قد ساهمت في وضع البلاد تحت الاستعمار الغربي ولعبت دوراً كبيراً في محاربة الحل العادل للقضية الفلسطينية الداعي إلى إقامة دولتين في فلسطين" (ص 16)، ويعتمد تفسير "أبو شلباية" لفشل مشروع إقامة دولتين بجانب الدور الذي يُلبسه للقيادات الفلسطينية والعربية، على نظرية وقوف المتطرفين من العرب واليهود في وجه الحلول المعتدلة. وملخص هذه النظرة هو أن المتطرفين من الجانبين الذين عارضوا إيجاد دولتين (حل التقسيم) هم من الجانب العربي: العرب القوميون بقيادة الهيئة العربية العليا ومن الجانب اليهودي: اليهود الصهيونيون بقيادة المتطرفين  في الحركة الصهيونية، وسترسل قائلا أن معارضة هذين الطرفين هي التي أفشلت مشروع التقسيم ووصلت بالقضية الفلسطينية إلى ما هي عليه اليوم.

فيما يتهم المؤلف "أبو شلباية" الدول العربية الدائرة في فلك السياسة البريطانية عام 1948 – الأردن والعراق – (ص 18) بتشجيع الفلسطينيين على الهجرة والتهديد بقذف اليهود في البحر. ويضيف أن سيارات الجيش الأردني والعراقي أخذت تعمل ليلاً ونهاراً في نقل عشرات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين إلى شرق الأردن. ويستنتج الكاتب من كل هذا بأن  كل ما حدث تم لأن القوى المتآمرة على الشعبين (الفلسطيني واليهودي) أفسدت الحل الصحيح للقضية (ص 20) أي الحل الذي يدعو له الكاتب وو إقامة دولتين ي فلسطين.

وتحت عنوان "ماعز وضان" جاء الفصل الثاني حيث يقدم الكاتب صورة للواقع السياسي والاجتماعي الذي عاشه الشعب الفلسطيني في الأعوام التي تلت عام 1948. ويستمر في الحديث عن الفلسطينيين على أنهم جماعة من المثقفين المتمدنين وعن الأردنيين على أنهم جماعة من البدو الجهلة، وصوّر الشعب الفلسطيني في الأردن "فريسة اللصوص المحترفين...ولصوص يرفعون شعارات التحرير وإنقاذ فلسطين وتخليص اللاجئين"(ص 22) ويستنتج بعد ذلك من كل ما جرى للشعب الفلسطيني في الأردن هو رفض الحل الصحيح وهو إقامة دولتين في فلسطين.

وفي الفصل الثالث الذي حمل عنوان "تسليم الضفة" يقول "أبو شلباية" أن ما حدث عام 1967 هو استمرار لما حدث عام 1948. إما دخول مصر الحرب فيعتبره توريطاً لمصر في حرب مع إسرائيل (ص 40) من قبل الملك حسين. الذي يقول الكاتب أنه أكمل ما بدأ فيه جده الملك عبدالله.

وفي الفصل الرابع، وعنوانه "المنظمات الفلسطينية" يلجأ الكاتب إلى أسلوب أعمق تحليلاً للأحداث والظواهر التي رافقت حرب حزيران 1967، ويبدأ الفصل بالقول "إن الفرق الرئيسي بين حرب السويس 1956 وحرب حزيران 1967 هي أن حرب السويس وقعت بتحالف فعلي بين إسرائيل وكل من بريطانيا وفرنسا ومن وراء ظهر الولايات المتحدة الأميركية، وحرب حزيران قامت بها إسرائيل برضى من الولايات المتحدة الأميركية مع بقاء بريطانيا وفرنسا على الهامش" (ص 51). ويبني على هذا الفرق حكماً سياسياً ملخصه أن الولايات المتحدة لا تريد هذه المرة فرض الانسحاب على إسرائيل من سيناء لأنها تشاركها بجني ثمار الاحتلال، ولأن الولايات المتحدة غير راضية عن علاقة مصر بالاتحاد السوفياتي، أما الإنسحاب من الضفة الغربية والقدس العربية فأنه متعلق بالمراهنة الأميركية على الملك حسين وعلى الشعب الفلسطيني أو عليهما معاً (ص 51 – 52).

 ويُرجع الكاتب ظهور المقاومة – وبالذات حركة فتح – إلى مرور فترة طويلة دو إيجاد حل "وامتداد الأمور بشكل واسع وسريع إلى الأوساط الشعبية...وتمثل هذا الإمتداد في ظهور المنظمات الفلسطينية". وهو يفسر هذا الظهور "بالحياة القاسية التي عاشها الفلسطينيون". ووجه للمنظمات قائمة من الانتقادات والنصائح باستخدام أسلوب "لو...ويا ليت...وإذا لم..." ثم يُعدّد الكاتب أسباب ضعف المقاومة فيقول أنها "انتهازية الدول العربية... مخططات التصفية... تدخل الأنظمة واستغلالها للمنظمات...سرعة إنبثاق المنظمات وضيق الوقت المتاح لها". ثم يستنتج منن هذه العجالة بأن المقاومة بقيت "تتأرجح بين أهداف غير واضحة، وغير واقعية، وججعلها بالتالي ترسو حول شعار خيالي يطالب بدولة فلسطينية ديمقراطية للمسلمين واليهود والنصارى" ورفع شعار التحرير من النهر إلى البحر، وإزالة الكيان الصهيوني، والدولة اليهودية، فوقعت بذلك في نفس الخطأ الذي وقعت فيه الهيئة العربية العليا (الفلسطينية) إثر اعلان قرار التقسيم سنة 1947" (ص 55).

 وقال الكاتب حول مشروع "الدولة الفلسطينية الديمقراطية" أن إقامة دولة فلسطينية واحدة للعرب واليهود يعني سيطرة الصهيونية هلى فلسطين كلها عسكرياً وأقتصادياً (ص 56) لأن وراء يهود  إسرائيل القوة العسكرية ويهود العالم الأغنياء والثقافة والخبرة والتصنيع، بينما  ليس وراء الفلسطينيين سوى أنظمة عربية إقطاعية" (ص 56). وأضاف "محمد أبو شلباية" أن "تجارب البلدان ذات القوميات المتعددة مثل قبرص والعراق والسودان قد أكدت استحالة تعايش تلك القوميات في دولة واحدة بينما يصبح تعايشها ممكناً جداً إذا أقيمت لكل قومية دولة خاصة" (ص 56). وتناول الكاتب شعار "التحرير من النهر إلى البحر" وقال أن رفع هذا الشعار " يعني ببساطة أنها لم تستطع تقييم وزنها المحلي والعربي والدولي" (ص 57).  أما نبوءة "أبو شلباية" فهي أن هذه الشعارات ستجعل المنظمات تلاقي نفس مصير الهيئة العربية العليا. أما البديل عن الشعارات المذكورة فهو في رأي المؤلف "العمل الدبلوماسي...والتخلص من أمراض الستالينية والطفولة...ومظاهر سيطرة عقلية الطبقة الوسطى"(ص 57).


ويقول الكاتب في صفحة 64 "أن الخطأ الأكبر للمقاومة هو رفض الخطوة المصرية التي خطاها الرئيس جمال عبد الناصر عندما وافق على مقترحات وليام روجز وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية"( ص 64).

وفي الفصل الخامس، الذي كان بعنوان "ماذا يريد الفلسطينيون؟ يقول الكاتب في مطلع هذا الفصل "أنه يستطيع أن يدعي بأنه يتحسس بعمق مطالب الغالبية الساحقة من شعبنا الفلسطينيفي المناطق المحتلة"(ص 69) وبعد تقييم المواقف الفكرية والسياسية للشعب الفلسطيني، دعا الكاتب المنظمات الفلسطينية إلى تبني فكرة إقامة دولة فلسطينية خاصة بالشعب الفلسطيني في الضفة الغربية، وذلك لإعتقاده بأنه يعرف ماذا يريد الشعب الفلسطيني في هذه المنطقة. فالشعب الفلسطيني برأي "أبو شلباية" يريد التالي:

1-     أن يكون للفلسطينيين جناح سياسي – دبلوماسي يؤمن بالعمل الدبلوماسي (ص 73 – 74).
2-     السير مع مصر في سياسة الحل السلمي.
3-     منح الشعب الفلسطيني حق تقرير المصير على أساس التقسيم وإقامة دولتين.
4-     التعويض عن اللاجئين الفلسطينيين وعلى اليهود اللاجئين إلى إسرائيل من دول عربية.
5-     أن تكون القدس العربية عاصمة للدولة الفلسطينية والقدس اليهودية عاصمة لإسرائيل على أن تظل مدينة موحدة. 
ويقول الكاتب أن مطالب الفلسطينيين هذه يمكن أن تتحقق في حالة وضع المناطق المحتلة تحت إشراف الأمم المتحدة لفترة من الزمن إلى أن تقوم فيها انتخابات برلمانية قائمة على الديمقراطية البرلمانية وتعدد الأحزاب، فالشعب الفلسطيني كما يرى الكاتب قد مل الديكتاتورية والحكم الفردي،
وهو يريد الديمقراطية الحزبية البرلمانية. ويستغرب "أبو شلباية" في الصفحة 75 معارضة المنظمات الفلسطينية للدولة الفلسطينية المقترحة، كما يستغرب الحملة الإعلامية التي تشنها المنظمات باستمرار على مشروع هذه الدولة ويقول "أن بديل هذه الدولة هو أحد اختيارين "الاحتلال أو العودة للنظام الأردني".

ويعتبر الكاتب الدعوة ضد "الدولة الفلسطينية المتعايشة مع إسرائيل" عملاً يقوم به "مندسون في إعلام المنظمات" (ص 75). ويضيف أن "البعض الذين يهاجمون الدول الفلسطينية قد انعزلوا عن الشعب وهم يجهلون جهلاً تاماً "الواقع الجديد الذي أخذ يحدث في المناطق المحتلة... في أفكار الناس وفي أوضاعهم الاقتصادية والأمنية... أنهم يجهلون ويتجاهلون أنه كان لديمقراطية إسرائيل تأثير في عقول الناس، وأن عشرات الآلاف من العمال أخذوا لأول مرة يتقاضون رواتب لم يكونوا يحلمون بها وكانوا جميعاً أيام الحكم الهاشمي يتضورون جوعاً" (ص 76).


وفي هذا الفصل الأخير يتطرق "محمد أبو شلباية" إلى النظام الاجتماعي والاقتصادي للدولة المقترحة فيرفض الإشتراكية، ويقول أنها لا تعني سوى "زيادة الفقر والبطالة والتشرد" وطالما أن الشعب الفلسطيني في رأي الكاتب  يرفض الإشتراكية فأن "مسؤولية كبرى تلقى على عاتق واشنطن تجاه الشعب الفلسطيني"’(ص 83) وعليه فالكاتب يطالب الولايات المتحدة تقديم العون والمساعدة والحماية للدولة الفلسطينية مذكراً أياها بمبادئ واشنطن ولنكولن.

ويختم المؤلف كتابه بتفاؤل  ويطمن الدول العربية بأن الدولة الفلسطينية التي يدعو لها ستصبح في المستقبل جزءاً من جمهورية عربية كبرى تضم بين دولها إسرائيل ايضاً.


كانت هذه مقتطفات من كتاب "لا سلام بغير دولة فلسطينية حرة" للكاتب الصحفي الفلسطيني "محمد أبوشلباية"، ولعل هذه القراءة الجديدة لهذا الكتاب، الذي صدر في العام 1971 ما يضيء شيئاً على العمق الزمني لما يُعرف بـ "صفقة القرن"، خاصة أن ما طرحه الكتاب قد تبلور وتشكل الواقع المعيوش، وقد يكون ما ذكره الكتاب مصدر إيحاء أو إلهام لما يحصل على صعيد القضية الفلسطينية في مطلع الألفية الثالثة.

وأخيراً، قيل الكثير، وسال الكثير من نجيع اليراع، والنجيع القاني حول قضية فلسطين والتعنت الإسرائيلي، لكن تبقى صرخة إمام المقاومة السيد موسى الصدر تتردد في كل لحظة في أرجاء الوطن العربي، وفي عقول المجاهدين "أن شرف القدس يأبى إلا أن يتحرر على أيدي المؤمنين الشرفاء". وأننا على العهد باقون صادقوا العهد والوعد ...وسيكون النصر وتحرير القد شاء من شاء وأبى من أبى...ونستمر على درب القدس الذي يخطه نجيع الشهداء...

ليست هناك تعليقات:

مشاركة مميزة

  حصــــــــــــار المفـــكــــريــــــن الاستراتيجية والاستراتيجية المضادة المطلوب الثبات بصلابة أمام" حصار الداخل والخارج: إن التص...