علم نفس القائد والجماعة
عندما نفكر في القرارات التي تتخذها الحكومة، نتصور
شخصاً يجلس في مكتبه بمفرده – هو رئيس الدولة أو رئيس الوزراء – يقلِّب الخيارات
أو البدائل في أمر ما، وبعد تفكير متروٍ يختار القائد السياسي – من البدائل
المتاحة – البديل الذي يحقق في نظره الهدف المرجو. كما أننا نتصور أن القرارات
تُتخذ بطريقة نموذجية. وهذا السيناريو يمثل الطريقة التي تُصنع بها القرارات في
المستويات العليا من الدولة، في بعض الأحيان على الأقل.
غير أن القادة – وحتى الرؤساء التنفيذيون منهم، يجدون
أحياناً أن صنع القرار في إطار جماعة يحقق فائدة أكبر من صنعه على انفراد. ويبدو
أن صنع القرار جماعياً هو النمط المتبع في العادة وليس القرار المنفرد. وثمة عدد
من الأسباب وراء ذلك[1]؛
أولها أن القرار الذي تتخذه جماعة يكتسب قدراً أكبر من الشرعية من القرار الذي
يتخذه شخص بمفرده، بعد قليل من التشاور مع آخرين. ثانياً، يُعطي القرار الجماعي
القادة غطاء سياسياً؛ فبعد أن يقوم المشاركون في اتخاذ القرار بالتوقيع عليه، يصبح
من الصعب عليهم الخروج على الملأ بعد ذلك لمهاجمة القرار في الحالي التي يقود فيها
ذلك القرار إلى فشل ذريع. ثالثاً، يضمن القرار الجماعي (من حيث المبدأ على الأقل)
أن يتعرف قائد صناعة القرار آراء متعددة، وربما معارضة لما لديه من أفكار أو
معلومات، ما يزيد احتمال أخذ القائد في الاعتبار جميع الحقائق المحتملة.
أن صناع القرار عندما يعملون في إطار جماعة يتلقون
معلومات وتحليلات جديدة بشكل أسرع مما لو عملوا على انفراد، كما أنهم قد يسمعون
حججاً لا تتاح لهم معرفتها لو أنهم عملوا باستقلال عن الآخرين. وهذا الأمران (تلقي
المعلومات، ومعرفة الحجج البديلة) يحسّنان طرائق حل المشكلات لدى أعضاء الجماعة،
ومستوى تعلمهم لهذه الطرائق (...) من حيث إن الجدل الذي يُصاحب عملية صنع القرارات
الجماعية يعمل على إجلاء الغموض وعدم الاتساقية، من خلال تبادل المعلومات، وتعرّف
منظورات بديلة، ما يساعد على كشف نقاط الضعف في البنية المنطقية للاعتقادات
القائمة، ونقاط الضعف في المعرفة المتراكمة عن الموضوع[2].
ويفضل بعض القادة العمل في جماعات عندما لا يمتلكون
الاطلاع الكافي في المجال السياسي المعين. كما أن الصناعة الجماعية للقرار تساعد
على تخفيف الضغط النفسي على القادة الذين لا يرتاحون للتعامل مع قضية سياسية معينة
أو مجال معين. كما إن الصناعة الجماعية للقرارات قد تكون ملزمة من المشرع في بعض
الحالات.
غير أن هذا كله لا يعني أن الجماعات تصنع بالضرورة
قرارات أفضل من القرارات التي يصنعها الأفراد – عندما يعملون على انفراد؛ أن هناك
عمليات جماعية (ذات تأثيرات سلبية) تأخذ مجراها في النقاش الجماعي ويمكن أن تطغى على
الفوائد المحتملة لصناعة القرار جماعياً؛ ذلك لأن هناك "أعراضاً مرَضية"
تنبثق من النقاش الجماعي، فتؤدي إلى تضييق نطاق المعلومات التي تعالجها الجماعة،
من حيث الاتساع ومن حيث مستوى التعقيد، كما أنها تحد من اتساع أفق الجماعة وتشجع
على الامتثال (أو الانسياق) لها[3].
أن الجماعات – نتيجة لتشتت السلطة فيها، أو توزع القوة بين أعضائها – تضطر إلى إجراء تسويات بغرض الوصول إلى موقف يُجمع عليه الجميع.
أن التفكير الجمعي هو عملية تؤدي بالجماعة إلى الوصول إلى
إجماع متسرع أو سابق لأوانه، وتغلق الباب على نفسها عن أي أفكار تأتي من الخارج[4].
وفي تعريف آخر "التفكير الجمعي هو "شكل من التفكير يظهر لدى الجماعة
عندما يكون أعضاءها في حالة تماسك شديد تصبح معه رغبتهم في توحيد الكلمة، والوصول
إلى إجماع، أقوى من حاجتهم إلى تقويم البدائل المتاحة تقويماً واقعياً[5].
إن التفكير الجمعي يتضمن عدداً من العناصر (أو الشروط
المسبقة)، إضافة إلى التماسك الشديد بين أعضاء الجماعة، وهي:
-
عزل الجماعة نفسها عن أي نصيحة من الخارج، فلا تسعى، أو
لا تسمح لأحد من خارجها بتقديم الرأي لها.
-
تكون القيادة قوية صاحبة رأي، حيث يطرح القائد آراءه
بوضوح تام في البداية أو أثناء النقاش على نحو يعيق أي نقاش حقيقي لاحقاً.
-
الافتقار إلى معايير خاصة بالبحث الممنهج، أي عدم وجود
تقليد داخل الجماعة يشجع البحث الشامل في البدائل المتاحة بطريقة منهجية منظمة.
-
التجانس بين الأعضاء في الخلفية أو الأيديولوجية، حيث
يأتي معظم الأعضاء من خلفية اجتماعية وتعليمية متشابهة، إضافة إلى احتمال التشابه
الشديد بينهم في طريقة التفكير.
-
تواجه الجماعة في حينه ضغوطاً شديدة نتيجة لمشكلة تعترضها،
كالحاجة إلى الوصول إلى قرار سريع.
-
شعور أعضاء الجماعة بحالة عارضة من التقدير المتداني
للذات[6].
كيف نعرف أن التفكير الجمعي أخذ مجراه لدى جماعة قائمة
في الحاضر؟
معايير التشخيص لهذه الحالة:
-
توهُّم الحصانة، أو وجود إحساس غير مبرر بالحصانة – إذ يتطور
لدى الجماعة تفاؤل مفرط يُشجعها على المخاطرة.
-
التبرير الجمعي، يُسقط أعضاء الجماعة من حسابهم ما يصلهم
من تحذيرات، ويُغفلون النظر في ما يمكن خلفها من افتراضات جوهرية.
-
الاعتقاد بالصلاح الأخلاقي للجماعة، يتطور لدة الأعضاء اعتقاد
بأن قضيتهم صحيحة "أخلاقياً"، ويسيئون تقدير التبعات المحتملة لقراراتهم
من الناحية الأخلاقية.
-
النظرة النمطية للجماعة الخارجية (أو الأخرى)، حيث تطور
الجماعة نظرة مفرطة في تبسيطها، وفي سلبيتها لمن يعتبرونهم: الأعداء".
-
ممارسة الضغط المباشر على الخارجين عن الجماعة، يواجه الأعضاء
ضغطاً شديداً من الجماعة عندما يخرجون عن آرائها.
-
الرقابة الذاتية، يُحجم الأعضاء عن التعبير عن شكوكهم
واختلافهم مع ما تجمع عليه الجماعة.
-
وهم الإجماع، يسود الافتراض أن رأي الأغلبية هو الرأي
المجمع عليه مع أن بعض الأعضاء تساورهم الشكوك في الواقع حول صحة ذلك الرأي.
-
"حراسة فكر الجماعة"، يتولى بعض الأعضاء حماية الجماعة
وقائدها من وجهات النظر المخالفة ومن ال[7]معلومات
التي قد تهدد الإجماع المفترض لدى الجماعة[8].
[1] أنظر Fritz Gaenslen, “Decision-Making Groups,
in Eric Singer and Valerie Hudson, eds., Political Psychology and Foreign
Policy (Boulder, CO: Westview Press, 1992).
[2] Yaacov Y. I. Vertzberger,
The World in their Minds: Information Processing, Cognition and Perception in
Foreign Policy Decision-making (Stanford, Calif: Stanford University Press,
1990), p. 223.
[3] Vertzberger, Ibid., p.
224.
[4] Irving Janis: Victims of
Groupthink: A Psychological Study of Foreign – Policy Decisions and Fiascoes
(Boston, MA: Houghton Mifflin, 1972), and Groupthink: Psychological Studies of
Policy Decisions and Fiascoes,2 ed. (Boston, MA: Houghton Mifflin, 1982).
[5] Janis, Groupthink:
Psychological Studies of Policy Decisions and Fiascoes, p. 9.
[6] Groupthink: Psychological
Studies of Policy Decisions and Fiascoes, pp. 176-177.
[7] Groupthink: Psychological
Studies of Policy Decisions and Fiascoes, pp. 174-175.
[8] المصدر السابق نفسه، ص 174-175.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق