2022-11-25

ماذا نفذ رفيق الحريري؟ مشروع بكتل أم آفاق أم أفق ؟

مشروع بكتل أم آفاق أم أفق 2000

ماذا نفذ رفيق الحريري؟



قبل أن يصبح رفيق الحريري رئيساً للحكومة اللبنانية في 31 تشرين الأول 1992، كان الفضل شلق ضمن فريق الحريري قد أصبح رئيساً لمجلس الإنماء والإعمار في 21 كانون الثاني 1991، حيث إنصرف المجلس لإعداد خطة إعادة الإعمار، وكان طبيعياً، بعد استشارة رفيق الحريري اللجوء إلى استخدام شركة "بكتل" الأميركية، ودار الهندسة (كمال شاعر) وهي أكبر شركة هندسية استشارية عربية[1]، وتعاقد المجلس مع "بكتل" بمبلغ 6.9 ملايين لإعداد دراسة إعاة الإعمار، سّدد منها رفيق الحريري شخصياً مبلغ 5 ملايين دولار[2]، واستعان المجلس أيضاً بمؤسسة كهرباء فرنسا، منذ الشهور الأولى، للمساعدة في تحضير الدراسات وللقيام بالأعمال اللازمة لترميم نظام الكهرباء في لبنان (محطات الإنتاج، محطات تحويل، شبكات التوتر العالي والمتوسط، شبكات التوتر المنخفض)، وقد تم الاتفاق على ذلك مع شركة كهرباء لبنان عندما كان مديرها العام الياس النمار، انتدبت شركة كهرباء فرنسا المهندس عادل خوري،الذي كان سابقاً في مجلس الإدارة والذي خرج من المجلس ليعمل في فرنسا، وطلب شلق من الحريري أن يوعز إلى أوجيه- انترناسيونال فرنسا كي تزودنا بفريق عمل من عدة أشخاص للمساعدة بتحضير دفاتر التلزيم، والتلزيم، والمفاوضات للعمل في إدارة المشاريع لتقويتها. ووقع مجلس الإنماء والإعمار معهم عقداً بقيمة رمزية قدرها ليرة لبنانية (...) بموافقة مجلس الإدارة. ويومها لم يكتفي الفضل شلق بالمهندسين الفرنسيين، اتفق مع البنك الدولي على تعيين (بموجب مناقصات دولية) شركات استشارية عالمية للعمل مع المجلس، ومع الوزارات. فكان هناك PMU (وحدة إدارة البرامج) في مجلس الإنماء والإعمار وSIU  (وحدة إدارة قطاعية) في الوزارات المعنية (في الكهرباء، في المياه، في الأشغال العامة، وفي البيئة).

بناءً على نصيحة البنك الدولي وغيره، بضرورة تعيين شركة تدقيق خارجي لحسابات مجلس الإنماء والإعمار، تمّ تعيين شركة Deloitte & Touche وهي إحدى الشركات الكبرى الخمس في العالم، في هذا المجال.

وطلب يومها، أي في بداية 1993 أي مع إنطلاق عملية الإعمار على مداها الواسع، أن تمارس الشركة عليهم التدقيق الدائم، مسبقاً أو لاحقاً. كان رئيس الديوان الأستاذ حسين حمدان أفتى أن القانون يمنع إلا من التدقيق اللاحق، أصرّ الرئيس رفيق الحريري على أن يكون هناك فريق من ديوان المحاسبة مقيماً في مجلس الإنماء والإعمار للرقابة الدائمة. وافق رئيس الديوان وأرسل أربعة من العاملين لديه. فتح المجلس أمامهم كل ملفاته. بدأوا التدقيق في ملفات العام 1982، أصرّ الحريري على أن يبدأوا بالرقابة على عمل المجلس الحاضر.

وكان في ربيع 1991 قد زارت بعثة من الأمم المتحدة لبنان، وبعد مسح سريع قدّرت أن حاجات لبنان الإعمارية، للتعويض عما تهدم، ستبلغ كلفتها حوالي 22 مليار دولار أميركي. ولكن خلال زيارات بعثات البنك الدولي للبنان أصروا على أن قدرة لبنان الاستيعابية لا تتجاوز نصف مليار في العام. أختلف رئيس مجلس الإنماء والإعمار الفضل شلق وفريقه كثيرا معهم حول ذلك، وطلب منهم تحديد القدرة الإستيعابية علمياً. ولم يستطيعوا إقناعه. واشتكى البنك الدولي للسلطة السياسية من الفضل شلق آنذاك. وفي المحصلة تم الإكتفاء بأن يقتصر الإنفاق على نصف مليار دولار سنوياً، كون الحاجة آنذاك لموافقة البنك الدولي، إذ أن الموافقة ستكون بمثابة إشارة لمؤسسات التنمية الأخرى، الدولية والعربية والإسلامية.

في 11 و 12 كانون الأول 1991، عقد مؤتمر الدول المانحة للبنان في باريس، حضر جزءاً من الاجتماع رئيس الحكومة عمر كرامي آنذاك، وكان قد صادف وجوده هناك وهو عائداً من مؤتمر القمة الإسسلامية في السنغال. نتج عن هذا الاجتماع وعود، لكن القرض الأول مع البنك الدولي بقيمة 175 مليون دولار وقع في شهر تشرين الأول 1992.

وفي وقت انعقد مؤتمر باريس جاء المديران العامان للصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي والصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية إلى لبنان، ووقعا قرضين لاستخدامهما في تأهيل قطاع الكهرباء بقيمة 75 مليون دولار من الأول، و35 مليون من الثاني. وكانت الكويت، هي الأكثر استعداداً من المجموعة الدولية وغيرها لمساعدة لبنان. تمّ توقيع هذين القرضين مع وزارة المالية (كان الوزير د. علي الخليل) ووزارة الموارد المائية والكهربائية (وكان الوزير محمد يوسف بيضون). لكن لم يستطع مجلس الإنماء والإعمار التحرك بخصوص هذين القرضين بسبب عدم وجود تكليف من مجلس الوزراء.



ولكن تغيرت الحكومة، وجاء وزير آخر للطاقة (وهو محمد عبد الحميد بيضون) ولكن لم يتم تنفيذ المشاريع التي رصدت لها هذه القروض. قال يومها بيضون للشلق عند سؤاله عن الأمر: "ما لك ومالهم، هؤلاء غير جديين".

ويُحكى أنه في 18 تشرين الثاني 1992 ، جاء أحمد سبيتي، الذي كان سابقاً عضواً في مجلس إدارة مجلس الإنماء والإعمار، ولكنه انتقل للعمل في الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي حاملاً من عبد اللطيف الحمد، فحواها أن القرضين المخصصين للكهرباء وقعا منذ ما يقارب العام تقريباً ولم يحدث شيء. فما كان الفضل شلق أن بدء بالتحرك، خاصة وأن رئيس الحكومة آنذاك قد صار الرئيس رفيق الحريري، فسارع إلى طلب حضور مهندسي كهرباء فرنسا، وطلب تحضير دفاتر الشروط لترميم كل المنشآت الكهربائية، وطلبوا 6 أشهر، ولكن أصر على مهلة 20 يوماً. واستوعب المهندس عادل خوري الرسالة، وبعد 3 أيام تم إحضار 20 مهندساً من فرنسا، واجتمعوا مع مهندسي كهرباء لبنان ومهندسي أوجيه ومهندسي مجلس الإنماء والإعمار، وفي النتيجة تم نشر إعلان في الصحف اللبنانية والعالمية حول تلزيم 4 عقود: واحد لترميم محطات الإنتاج، والثلاثة الأخرى لترميم الشبكات، على أن يبدأ سحب دفاتر الشروط في 3 كانون الثاني 1993، ومن بعد ذلك إنطلق مجلس الإنماء والإعمار  بإعداد دفاتر الشروط ونشر الإعلانات، عن مناقصات تتعلق بمختلف المشاريع، من المطار إلى المدينة الرياضية، إلى مستشفى بيروت الحكومي، إلى شبكات الهاتف وشبكة الخليوي، إلى مجمع الجامعة اللبنانية، وكذلك تخطيط العديد من الطرق والوتوسترادات، وشبكات المياه والصرف، وترميم المدارس الرسمية وترميم الأبنية الحكومية. وكذلك بموأزرة وإشراف ومتابعة حثيثة من المكتب الخاص.  ومعرفة وعلم من الرئيس رفيق الحريري.


ومع وصول رفيق الحريري إلى سدة السلطة، وكان الدولار الأميركي في سوق بيروت يعادل 2420 ل.ل في أيلول 1992 (أي قبل أسبوعين من تبوؤ الحريري كرسي رئاسة الحكومة في تشرين الأول).، ومن ثم أخذ يتراجع تدريجياً ليصل إلى 1507 ل.ل في كانون الأول 1997. مع مجي رفيق الجريري في تشرين الأول 1992، كان جاهزاً لإطلاق ورشة إعمار كبرى. وفي آذار 1993، أعلن مجلس الإنماء والإعمار عن مشروع "أفق العام 2000" الذي قدمته شركة "بكتل" وتضمّن توقّعات ماكرو اقتصادية تواكب مرحلة إعادة الإعمار في التسعينيات. وكان الافتراض الأساسي لدراسة "بكتل" أن انطلاق الإعمار سوف يحرّك عجلة الاقتصاد بسرعة لتصل نسبة النمو السنوية الحقيقية 9 بالمئة من 1995 إلى 1998 وأنّ عجز الخزينة سيبقى متواضعاً مع أسعار فائدة معقولة.


وفي أيار 1993، تم تعيين رياض سلامة حاكماً لمصرف لبنان، وجاء في الصحف في حينها أن عمل مع رفيق الحريري بإدارة شؤونه المالية في باريس في شركة ميريل لينش الأميركية، وكان الحريري يعيّن الموظفين والمشرفين على شؤونه المصرفية على رأس مؤسسات الدولة المالية والاقتصادية. وكان الحريري قد وضع يده على وزارة المالية، وذلك عندما صدرت تشكيلة الحكومة حيث كان رئيسها ووزيراً للمالية، ولكنه أوكل شؤون الوزارة لصديقه فؤاد السنيورة بصفة "وزير دولة". والسنيورة كان تلميذاً للرئيس سليم الحص وهو الذي أوصى به ليأخذ مكانه كرئيس للجنة الرقابة على المصارف من العام 1977 وحتى 1982، حيث أقال رئيس الحكومة آنذاك شفيق الوزان، فؤاد السنيورة. بضغط على ميشال الخوري لعدم التجديد للسنيورة[3].   

وأعلن رئيس مجلس الوزراء رفيق الحريري أمام مجلس النواب في جلسة مناقشة وإقرار موازنة العام التي انعقدت في 20 كانون الثاني 1994، أن حكومته عكفت "على اعداد مشروع خطة واسعة النطاق مبنية على برنامج انفاق استثماري للقطاع العام ينفذ خلال عشر سنوات (1993- 2002). وتم تصور مشروع الخطة- 2000  للاعمار والانماء آخذا بالاعتبار موازنة 1993 وموازنة 1994، والخطة ستحال الى مجلس الوزراء في القريب العاجل ليتم درسها في جلسة خاصة تمهيدا لاقرارها. واهم اهداف هذه الخطة:

اولا: السعي الى انماء اجتماعي عادل يؤمن الحوافز لجميع طبقات الشعب لالتقاط فرص التقدم والاستفادة من منافعه.

ثانيا: تحقيق مستويات متقدمة من الرفاهية للمواطن اللبناني ضمن اقتصاد معافى ومنافس دوليا، قادر على لعب دور مركزي في المنطقة.

ثالثا: تأمين توزيع متوازن للنمو على المناطق اللبنانية وإشراك كافة المناطق في ثمار التقدم الاجتماعي والاقتصادي.

رابعا: تركيز نشاطات الدولة على ارساء الشروط الضرورية للقطاع الخاص ليكون بمثابة "المحرك " لعملية النمو.

وبما ان تحقيق هذه الاهداف الاستراتيجية يسير يدا بيد مع تحقيق معدلات نمو سريعة ومستمرة، تبنى مشروع الخطة 2000 هدف مضاعفة الدخل القومي للفرد (بالاسعار الثابتة) خلال السنوات العشر، مما سيتيح للبنان استعادة موقعه التنافسي بين طليعة دول العالم المتوسطة الدخل. ووزع البرنامج الاستثماري للقطاع العام على كافة القطاعات الاقتصادية بشكل يحفز استثمارات القطاع الخاص ويتكامل معها.

إن الحكومة تدرك النواقص والاختلالات التي كانت تشوب توزيع المرافق والخدمات العامة على المناطق في لبنان ما قبل الحرب، وتعي آثار الاضرار التي لحقت بمناطق عديدة من جراء الاعمال الحربية. وهذا ما جعل من تحقيق التوازن المناطقي بين عناصر برنامج النهوض، أحد أهم الاهداف التي تسعى اليها الخطة 2000"[4].



أخيراً،  اللافت في هذا السياق، "أن دراسة شركة «بكتل» قدّرت كلفة إعادة الإعمار في لبنان بنحو 2.5 مليار دولار، لكن طبعاً، لم يأخذ أحد بها. لقد تمّ وضعها جانباً، واعتُمدت خطّة «آفاق 2000» التي أتى بها فريق الرئيس الحريري، والتي أعدها مجلس الإنماء والأعمار بحسب المُعلن، لكن أعد نسختها الأصلية فريق المكتب الخاص، وقدرّت كلفة إعادة الإعمار بنحو 18 مليار دولار. وعلى الرغم من ذلك، لم يتمّ إنفاق أكثر من 14 مليار دولار على الاستثمارات والبنية التحتية طوال ربع قرن. وأكثر من ذلك، درجت في تلك الفترة الاستدانة من دون مبرّر، أي من دون أن يكون هناك أيّ عجز في الموازنة أساساً"[5].

وأخيراً، وونقلا عن مرجع حكومي كبير قوله "كان هناك في العام 1993 مشروع سمي خطة النهوض الاقتصادي وعرف بأفق العام  2000. ولكن هذا المشروع لم يطرح على مجلس النواب ولم يقره هذا المجلس. وقد سحبت الحكومة هذا المشروع من التداول بعدما ابديت حوله تحفظات اساسية لعل اهمها انه بني على تقديرات غير واقعية افترضت ان الموازنة العامة ستحقق فائضا في العام 1996 وان هذا الفائض سيتزايد سنة بعد سنة وان معظم ما سمي خطة سيتم تمويله من هذا الفائض. ولا ادل على بطلان هذه التقديرات من النتائج المحققة في العام 1996 اذ بلغ عجز الموازنة فعليا اكثر من 51 في المئة من مجموع انفاق السنة، كذلك النتائج المقدرة في مشروع موازنة العام 1997 الذي يبلغ العجز التقديري فيه نحو 36 في المئة"[6].



[1] جورج فرشخ، الفضل شلق: تجربتي مع الحريري،بيروت، الدار العربية للعلوم، ط1 ، 2006، ص 250

[2]    كمال ديب، رفيق الحريري: إمبراطورية إنترا وحيتان المال في لبنان 1990 – 2005، بيروت، المكتبة الشرقية، 2020، ص 179.

[3]  كمال ديب، رفيق الحريري..ص  181.

[5]  جورج قرم،المصارف العبء الأكبر على المجتمع والاقتصاد: نحو إصلاح اقتصادي شامل، الاخبار، الإثنين 29 تموز 2019.

ليست هناك تعليقات:

مشاركة مميزة

  حصــــــــــــار المفـــكــــريــــــن الاستراتيجية والاستراتيجية المضادة المطلوب الثبات بصلابة أمام" حصار الداخل والخارج: إن التص...