هذه القصة المنقولة تعود
الى زمن الستينيات أنها قصة "المقاومة الفلسطينية" والسلطة اللبنانية
...قصة "إتفاق القاهرة"
ظهرت أولى بوادر الارتياب العلنية بالوجود الفلسطيني في
لبنان، ابتداء من 1968، حين لم تكن المقاومة قد بلغت بعد مرتبة الوجود الشرعي في
البلاد. ثم وجه المسيحيون انتقادات إلى رئيس الوزراء عبد الله اليافي الذي كان
يعتبر من أشد المؤيدين للمقاومة. وفي سياق الغضب الذي تسببت فيه الغارة الإسرائيلية
على مطار بيروت، اضطرت الحكومة إلى الاستقالة في 16 كانون الثاني/ يناير 1969. لكن
سرعان ما تبين أن المسألة ليست مسألة أشخاص، وأن المواقف من موضوع الوجود
الفلسطيني تقاطعت مع الانقسام الطائفي. وهكذا حض رئيس الحكومة رشيد كرامي مجلس
النواب في بيانه الوزاري (31 كانون الثاني/ يناير على الاعتراف بحق الفلسطينيين في
النضال من جل تحرير وطنهم.
وما لبث الوضع الميداني أن بدأ يتدهور، وتتالت التظاهرات وأعمال الشغب والاشتباكات المسلحة في نيسان/ إبريل، حتى أن الوضع اتخذ منحى تمردياً في طرابلس في تشرين الأول/ في نيسان/ إبريل، حتى أن الوضع اتخذ منحى تمردياً في طرابلس في تشرين الأول/ أكتوبر، أسفر عن استقالة الحكومة الجديدة، ويضاف إلى ذلك، الضغط الاقتصادي الذي مارسته سوريا عبر قف حركة المرور وغلق حدودها. وبعد بضعة أشهر وبعد بضعة أشهر، بلغت الأزمة التي أججها تعاقب الاحداث، منتهاها بتوقيع اتفاق القاهرة.
في هذا الوقت، شهدت المخيمات الفلسطينية ثورة حقيقية منحت المقاومة السيطرة على قاعدتها الاجتماعية. وتجاوز اللاجئون المأخوذون بالحماسة الثورية التي أثرها في كل مكان انطلاق الفدائيين، والمتلهفون لاستعادة حرية قمعت فترة طويلة، مسؤولي المنظمات الفلسطينية الذين لم يبسطوا سيطرتهم على المخيمات إلا في أعقاب تلك الانتفاضة.
وشكل انقسام المجتمع السياسي اللبناني حول مسألة الوجود الفلسطيني، العنصر الحاسم في تلك الأزمة. وقد أدنى ذلك الانقسام، وإلى حد كبير، إلى تفجير الأزمة، لأن جزءاً من المجتمع والدولة كان يمارس ضغوطاً من أجل الاعتراف بحق الفلسطينيين في النضال انطلاقاً من لبنان، ولأن جزءا آخر كان يرفض ذلك. وفيما تماهي البعض بالمقاومة الفلسطينية، ولم يتمها بها البعض الآخر، بات غير الممكن حصر المشكلة بالعلاقات بين الدولة ومنظمة التحرير الفلسطينية. فكانت النتيجة أن بدأت الأزمة لدى قمع التظاهرات التي حشدت في نيسان/إبريل 1969المسلمين وأنصار اليسار المتحدين في دعم المقاومة. لكن ردود الفعل التي أثارها إقدام الجيش على قمع التظاهرات، أثبتت على الفور أنه كان عاجزاً، على رغم فرض حالة الطوارئ وحظر التجول، عن السعي إلى فرض سيطرته على الفدائيين، بمعزل عن المجازفة بتفجير حرب أهلية قد تدمر وحدته وتفشى الفساد الذي بات إذ ذاك محتوماً، زاد من انتشاره وشلل الحكومة، أو بتعبير أدق، غياب الحكومة طوال تسعة أشهر، نتيجة قرار رئيس الوزراء المكلف رشيد كرامي الإحجام عن تشكيل حكومة قبل التواصل إلى اتفاق وطني. ووفَّر إبرام اتفاق القاهرة وموافقة مجلس النوب عليه شبه إجماع (ما عدا أصوات ريمون إده ونواب كتلته) الحل لتلك الأزمة. ولا شك ي أن اتفاق القاهرة الذي أبرم في 3 تشرين الثاني/ نوفمبر 1969، برعاية جمال عبد الناصر، وحمل توقيعي كل من ياسر عرفات الذي أصبح قبل أشهر رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، والعماد إميل البستاني قائد الجيش اللبناني، شكل اعترافاً بالفدائيين. وأيا يكن التفسير الذي أعطي للاتفاق، فإن حق الفلسطينيين في ممارسة نضالهم المسلح انطلاقاً من لبنان، حصل على الاعتراف الصريح. وحظر الاتفاق وجودهم المسلح في المنطقة الساحلية لجنوب لبنان، إلا أنه منحهم حرية تحرك كبيرة في العرقوب الذي كان بالتحديد المنطقة الأساسية لأعمال المقاومة. وخص الاتفاق منظمة التحرير الفلسطينية بنوع من الحصنة السياسية في المخيمات. والتدابير التطبيقية التي أقرت في شباط/فبراير 1970، فوضت إلى منظمة التحرير الفلسطينية الصلاحية القضائية الكاملة على المخيمات الفلسطينية التي أفلتت بذلك من طوق السلطة اللبنانية.وسعى وزير الداخلية كمال جنبلاط إلى الاستفادة من النفوذ
الذي كان يتمتع به لدى منظمة التحرير الفلسطينية، ليرسم لها حدودها ويمنع تمددها إلى
خارج المناطق المنصوص عنها في الاتفاق. وفرض قيوداً على تشييع الجنازات، وحظر إطلاق
النار ابتهاجاً، وارتداء الزي العسكري في المدن، وفرض نقل المواقع العسكرية إلى
مسافة تبعد كيلومتراً وحداً على الأقل عن المناطق السكنية."
(نص منقول)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق