جمعية المصارف...
مصرف لبنان ... وحيتان... وزعامتية
كان العام (؟؟؟؟) بداية جديدة لقطاع الخدمات المالية والسياسة النقدية في لبنان، إذ شهد ولادة قانون النقد والتسليف المنظّم للخدمات المالية ومؤسساتها في لبنان. وأذّن القانون بتعيين "مجلس النقد والتسليف" الذي كان أولى واجباته خلق مصرف مركزي لبناني ينهي التبعية لـ "بنك سوريا ولبنان". وأعلن عن تأسيس مصرف لبنان في العام نفسه، فابتدأت المؤسسة الجديدة وبصورة مضطردة في استلام مهامها كأي مصرف مركزي في العالم: استقرار العملة الوطنية !!! وحيوية الأسواق المالية وتولي سياسة تنظّم القروض !!! بما يتلاءم مع المصلحة الاقتصادية الوطنية !!! في ضبط التضخم في الأسعار !!!! وفي توظيف عوامل الإنتاج !!!!.
ورغم أنّ النقاش
مستمر إلى اليوم حول دور المصارف المركزية في العالم هل هو هو تأمين مؤشر أسعار
عام مستقر ومتدنٍ أو تحقيق نسبة توظيف عالية للعوامل الإنتاجية (لا سيما اليد
العاملة)، أو هو التشكيك في مقدرة المصارف
على تحقيق هدفين متناقضين أحياناً.
فقد تأسس مصرف لبنان وسط اعتراض صاخب من جمعية المصارف اللبنانية التي شكت من دوره، مفضّلة كأي قطاع خاص التخفيف من تدخل الدولة في الاقتصاد ومعترضة على سلطاته المنظمة للأسواق !!! والمؤسسات. ولازم التعاون بين الجانبين – الجمعية ومصرف لبنان – حيّزاً من العداوة، فقد قاومت المصارف أي رغبة من مصرف لبنان في اعتماد سياسة نقدية تنموية، سياسة لا تخدم الفلسفة الاقتصادية الريعية. واستمرّ حتى اليوم منطق غريب لدى مجلس إدارة مصرف لبنان مفاده أنه طالما أنّ العملة مسنقرّة !!!! والقطاع المصرفي بخير !!!! فالاقتصاد اللبناني بخير بصرف النظر عن المؤشرات الأخرى كافة، مع ضرورة توجيه الشكر للحاكم "الذي يحافظ على العملة بعد كل تعميم يصدره، كما أنّ منَحَ القطاع المصرفي مدّة خمس سنوات لترتيب أموره سمح بالأجواء التي أدت إلى الانهيار الكبير عام ؟؟؟؟
وكانت العلاقات المصلحية بين الزعماء السياسيين والتجّار ورجال المال تنمو بصورة مضطردة. فلم يعد هناك من حاجز أخلاقي يفضل بين قرارات تعيينات مجلس إدارة مصرف لبنان ونفوذ أصحاب المصارف التجارية. وكانت الحياة الاجتماعية الليلية في بيروت مناسبة للقاء الزعماء وأصحاب المصارف وعقد الصفقات المتنوعة. (...)
ومارس الزعماء الكبار في لبنان نفوذاً قوياً على الفئتين. وإضافة إلى "أخوية المال" – حيث تطوّر ناد معنوي يعكس تعاضد الأثرياء من أفراد وعائلات، وأبقى خارجه باقي فئات المجتمع – فإنّ الأخوية كانت موجودة أساساً في علاقة قربى الدم وتحالفات العائلات والتضامن الطائفي، وكان لأصحاب المصارف نفوذ ونشاط امتدّ إلى قطاعات وشؤون أخرى بعيدة عن النشاط المصرفي، فيما كانت بعض المصارف مجرّد واجهات لنشاطات جمعت الخدمات المالية بالعمل التجاري البحت. ولم يقتصر تأسيس
مصرف تجاري على شروط الربح والخسارة، بل كانت ثمة عوامل أخرى تدخل في قرار
المستثمر حتى لو بدت المسألة خاسرة، إذ كان بعض أصحاب المصارف يعتبر انفاقه مبالغ
ضخمة لافتتاح بنك بمثابة بطاقة اعتماد تمكّنه من دخول نادي رجال المال والسلطة
وتمنحه شهرة اجتماعية تفتح له ابواباً أخرى. فالمحافظة على "البرستيج"
كان من بديهيات العضوية في نادي الطبقة السائدة، خاصّة بعد انتقال لبنان من
المجتمع الاقطاعي في القرون السابقة إلى القرن العشرين حيث حب الوصول إلى الوظيفة
العامة الرفيعة (نائب أو وزير أو مدير عام) أو إلى ملكية مؤسسة تجارية أو مصرفية.
وحتى النجاح
المهني الرفيع في القطاع الخاص أو الشهرة الدولية من عبقرية أدبية وفكرية لم يكفيا
للانضمام إلى نادي السلطة والمال في لبنان. فكما كان السعي إلى عضوية البرلمان اللبناني
يتطلّب انفاق المال كونه مطية للاثراء والفساد فيما بعد، كان السعي إلى تأسيس مصرف
يحتاج إلى انفاق المال ويتضمن عاملاً لا علاقة له بالعمل المصرفي، وهو دخول نادي
النخبة المالية والسياسية لتحقيق فوائد طويلة الأمد.
لا تعليق ...
كتاب ممتع لمن يحب القراءة |
هناك تعليقان (2):
معلومات قيمة
السلام عليكم
إرسال تعليق