2019-12-15

من 1983 إلى 2019 رؤية الجورنالجي ...


استعادة لزمن 1983 التأسيسي لفهم حاضرنا حماية لمستقبلنا

في العام 1983 كان أمين الجميل رئيساً للجمهورية، بعد الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، وكانت قد بدأت أواخر عام الاجتياح مفاوضات لبنانية – إسرائيلية بإشراف الولايات المتحدة، وتم التوصل في أيار 1983 إلى اتفاق لبناني – إسرائيلي عُرف باتفاق 17 أيار. وافق البرلمان اللبناني أنذاك على ذاك الاتفاق، ما عدا نائبين صوتا ضد الاتفاق، لكن هذا الاتفاق لم يتم إبرامه، وسقط في العام التالي (1984) تحت ضربات المقاومة وانتفاضة قادها آنذاك رئيس حركة أمل الأستاذ نبيه بري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي الزعيم وليد جنبلاط، ألغي الاتفاق اللبناني – الإسرائيلي، كما ألغي أيضا "اتفاق القاهرة" الاتفاق الذي نظم الوجود الفلسطيني المسلح في لبنان في مطلع السبعينيات.



في هذا الزمن الذي نعيش زمن ما يُسمى “الثورة" أو "الحراك" وما يُحاك على ضفاف ذلك في دهاليز السياسة العالمية في سبيل "تطويع" أو "ترويض" "المقاومة" خدمة لكيان إسرائيل، رأيت أن أضع بين أيديكم قراءة لأحد أهم الصحافيين وصناع القرار في عالمنا العربي في تلك اللحظة التأسيسية كما أعتقد لما نشهده اليوم في شوارع لبنان، ولعل استعادت الماضي ما يخدم في فهم الحاضر، ويساعد في محاولة استشراف المستقبل حتى لا نكون ضحايا بإرادتنا أو من خلال جهلنا، وبعبارة أدق الجهل المركب لدى البعض، وأعتقد أن جرعة من المعرفة قد تشكل قيمة مضافة تجعلنا نتفكر لنتجاوز الواقع المتغير دائما ودوما، مع التمني بالتذكر والتفكر، فمن خلال الذاكرة والتفكير أرى أننا سنخرج بخطة أو خارطة طريق  تجعلنا في أمن وآمان في لحظة مفصلية وتطورات تعيد تشكيل الواقع الجيوستراتيجي في الاقليم، أضافة إلى تبدل الأهمية والدور الاستراتيجي لهذا الوطن الحبيب "لبنان".



"لبنان" الذي يحتاج إلى قامات وطنية تستطيع حمايته، وهي موجودة، لكن المطلوب تأمين الدعم لها على المستويات كافة، وذلك رأفة ومحبة بهذا الوطن "لبنان" وحرصاً على نهائيته كوطن لجميع أبنائه، مع وقف نزيف الهجرة والذهاب إلى اليأس ومن ثم إلى الانتحار أو النحر الذاتي. فلنقرأ ما قال الأستاذ:

"الواقع أن كلا الطرفين وقع في منزلق النظرة السياسية البراغماتية (الآنية والعملية) التي تجرد العمل السياسي من القاعدة التاريخية والثقافية التي توجه حركته. وكلا الطرفين، الولايات المتحدة وإسرائيل، ينساق كثيراً في الإنكار التاريخي والثقافي لدى الآخرين:

·      الولايات المتحدة يدفعها إلى ذلك الإنكار أن التاريخ لم يبدأ بالنسبة لها إلا قبل قرنين هما عمر التجربة الأمريكية.

·      وإسرائيل مشكلة أكبر، فهي تعرف ما كان قبل إنشاء الدولة في فلسطين، لكنها تريد إلغاءه إلغاء كاملاً بحيث لا يصبح له أثر، ويكون تعاملها في الحاضر بما لا علاقة له بالماضي أو بالتاريخ.

كلاهما ينسى عند اللزوم أنه حتى في أضعف الدول والمجتمعات فإن قمة الدولة أو المجتمع يمكن أن تضيع إرادتها، لكن المقاومة – في هذه الحالة – تنزل إلى قاع المجتمع وتُكسِبه قدرة وفاعلية لم يكن أحد يحسب حسابهما بالتفكير "البراغماتي".
وكان هذا ما حدث تلك اللحظة في لبنان.

(...)

كان الضغط الإسرائيلي شديداً.
ولم يكن الدعم الأمريكي للبنان قائماً، (...)
وكانت الصورة العامة في لبنان تتغير.
ذلك أن خروج الفلسطينيين من لبنان أعاد أهله طرفاً في مصائرهم.
لكن سوريا كانت قادرة على الضغط ومضطرة لممارسته أحيانا.
وكذلك كانت الموازين الاستراتيجية تتأرجح في المنطقة بسبب التغييرات التي طرأت على مسار الحرب العراقية – الإيرانية.

وبدت القمة في لبنان حائرة. وبدأ القاع في لبنان يتحرك.

وكان القاع اللبناني أصعب مما تصورته كل التقديرات "البراغماتية"، وكان على وجه التأكيد أعقد من أن تقوده القمة اللبنانية مهما لقيت من دعم إسرائيلي أو أمريكي أو عربي!

وبذل وزير الخارجية الأمريكي "جورج شولتز" جهداً خارقاً للعادة واستطاع بالفعل أن يقنع القمة اللبنانية بتوقيع ما سمي باتفاق 17 أيار – لكن هذا الاتفاق كان محكوماً عليه بالفشل.
وكانت الأسباب عديدة:

1-  إن قوى القاع اللبناني كانت كتلاً إنسانية ضخمة لها جذورها التاريخية والثقافية في تاريخ لبنان، وكانت لها قياداتها التي تستطيع أن تثبت في لحظة من اللحظات أنها في معاقلها أكبر من قمة الدولة ذاتها وأقوى (الطائفة الدرزية مثلا بزعامة رجل من وزن "كمال جنبلاط" أو في مقدرة ابنه "وليد جنبلاط").

2-  إن الحرب الأهلية انتهت وقد تغيرت موازين القوة على الأرض لصالح الشيعة الذين كانوا على الدوام عنصراً من عناصر التركيبة واللبنانية، ولكنهم باتساع الحجم  وباتساع الدور مع المقدرة على التضحية إلى درجة الاستشهاد – أكدوا أنهم ليسوا عنصراً في التركيبة فقط، وإنما هم ركن من أهم أركانها.

3-  إن الطائفة المارونية ضعفت، فبحكم أنها كان الطائفة الأغنى مالياً في لبنان قبل الحرب الأهلية، فإن ألمع العناصر بين الموارنة آثروا مبكراً أن يبتعدوا عن حريق حرب أهلية لا تصلح لها مستويات المعيشة والترف الفكري التي تعودوا عليها، وهكذا فإن الصفوة المارونية ابتعدت، في حين ظهرت وبرزت عناصر جديدة مختلفة اكتسبت تجربتها في الحياة تحت النار ووسط الأنقاض وفي خضم عمليات عسكرية ضد إسرائيل أو ضد غيرها.

وهكذا فإنه في الوقت الذي اختلطت فيه عوامل التركيبة اللبنانية التقليدية كما عكست نفسها على القمة في لبنان منذ الاستقلال وحتى الحرب الأهلية – فإن هناك متغيرات أخرى نفسية وسياسية راحت تساعد على انتقال موقع القرار من القمة إلى القاع اللبناني:

·      كانت هناك حقيقة أن جراح الحرب الأهلية في لبنان، وقد استمرت أكثر من سبع سنوات دامية – لا تزال تنزف بغزارة. وكان قلب بيروت – إلى جانب نزيف الدم – قد تحوّل إل أنقاض يصعب معها الانتقال بسرعة لأي أجواء معاهدة سلام مع إسرائيل. بل إن مجرد طرح هذا الأمر كان قادراً على تجديد الحرب الأهلية أكثر من قدرته على توقيع معاهدة سلام.

·      إن سوريا بنفوذها التاريخي والثقافي في لبنان كانت تعارض في توقيع اتفاقية سلام بينه وبين إسرائيل. ومع وجود قوات عسكرية سورية في لبنان فإن أي حديث عن صلح إسرائيلي – لبناني بعيد عن سوريا – كان محققاً أن يكون نوعاً من أوهام الخيال. ثم إن الذين راودتهم الظنون بأن سوريا يمكن أن تسكت تحت الضغط الأمريكي فاتهم أن اعتبار الأمن القومي السوري أقوى في التأثير على قرار دمشق من أي ضغط خارجي يمكن توجيهه إليها.
·       إن قوة الثورة الإسلامية في إيران كانت بطبائع ارتباطات تاريخية وثقافية قديمة قد عكست نفسها على الواقع السياسي اللبناني، وأحدثت تأثيراً فيه يتجاوز بكثير تأثير قرار رسمي تصدره قمة الدولة اللبنانية".  

انتهى الاقتباس ، عليكم بالتفكر والنظر أبعد من اللحظة الراهنة، والحذر والانتباه ومن المؤكد أن "اتفاق 17 أيار بحري" لن يمر ... رغم كل التغيرات في الواقع...فالتاريخ والثقافة ثوابت راسخة وما زالت ... منطق البراغماتية لا يمكنه إغفال الثوابت الراسخة وإلا ...


"انتم يا اخوتي الثوار كموج البحر ما توقفتم انتهيتم".
(الامام موسى الصدر)

"للعدو الإسرائيلي أطماعًا بمياهـنا لكننا لن نتنازل عن كوب واحد منها"

(الرئيس نبيه بري 01-04-2019)



"مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا"(الاحزاب:23)

"وإن عدتم عدنا"



ليست هناك تعليقات:

مشاركة مميزة

  حصــــــــــــار المفـــكــــريــــــن الاستراتيجية والاستراتيجية المضادة المطلوب الثبات بصلابة أمام" حصار الداخل والخارج: إن التص...