2018-12-05

الحجارة ...وفن الحرب


الحجارة...وفن الحرب


الحرب، كما يؤكد كلاوزفيتز "نشاط اجتماعي"، تنطوي على تعبئة الرجال وتنظيمهم، من دون النساء وبصورة شبه عامة، بغية إنزال العنف المادي، وهي تستدعي تنظيم بعض أنماط العلاقات الاجتماعية، كما تتصف بمنطق خاص. ويقول كلاوزفيتز " لا تنتمي الحرب إلى مجال الفنون والعلوم بل إلى مجال الحياة الاجتماعية ... وبدلاً من أن تقارن بأي فن من الفنون فالأفضل أن تشبّه بالمنافسة في مجال الأعمال، التي تعبر عن تضارب المصالح والنشاطات البشرية".


لكل مجتمع شكل متميز خاص به من الحرب. وما نميل إلى اعتباره حرباًـ وما يعرِّفه صناع السياسات والقادة العسكريون على أنه حرب إنما هو ظاهرة محددة تشكلت في أوروبا بين القرنين الخامس عشر والثامن عشر، وهي ظاهرة ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بنشوء الدولة الحديثة تطورها. ومهما مرت الحرب بأطوار مختلفة، من الحروب المحدودة مروراً بالحروب الشاملة إلى الحرب الباردة إلى حروب التحالفات والكتل إلى الحروب الاستباقية. تظل ظاهرة الحرب هي هي: تركيبة تقوم بها الدولة المركزية، الهرمية التراتب والانتظام، والإقليمية الكيان. لكن الحرب باتت تتحول مع بروز أنماط جديدة من الكيان السياسي إثر عمليات العولمة الجديدة، مع تلاشي الدولة الحديثة المركزية الإقليمية الكيان.

عرّف كلاوزفيتز الحرب بأنها "فعل عنيف المراد منه هو إرغام خصمنا على تلبية إرادتنا". بحسب هذا التعريف إنما هي حرب بين دول لتحقيق غاية سياسية قابلة للتحديد، إلا وهي مصلحة الدولة.

كان إنشاء الجيوش الدائمة الخاضعة لسيطرة الدولة جزء لا يتجزأ من عملية احتكار العنف الشرعي، المكوّن الجوهري للدولة الحديثة. فمصلحة الدولة أصبحت المسوّغ المشروع للحرب، وحلّت محل مفهومي العدل، وحق الحرب، المستمدين من اللاهوت المسيحي.

قواعد الحرب في القرون الوسطى استُمدت من السلطة البابوية التي كانت المرجعية، لكن في ظل الدولة الحديثة، كان لا بد من وضع مجموعة من القوانين المدنية.
وفي أواخر القرن الثامن عشر، أصبح من الممكن تحديد النشاط الاجتماعي المنظم الذي يمكن أن نعتبره حرباً، وذلك من خلال تمييزات جديدة باتت تتسم بها الدولة المتطورة؛ وهي:

-               التمييز بينن العام والخاص بالأفراد، بين دائرة نشاط الدولة ونشاط ما دون الدولة.
-               التمييز بين الشأن الداخلي والشأن الخارجي، بين ما يحدث ضمن حدود الدولة المحددة بشكل واضح، وما يحدث خارج الحدود.
-               التمييز بين الاقتصادي والسياسي المرتبط بنشوء الرأسمالية، الفصل بين النشاط الاقتصادي الخاص والأنشطة العامة المناطة بالدولة، وإزالة الرق عن الأنشطة الاقتصادية.
-               التمييز بين المدني والعسكري، بين التعامل القانوني الداخلي اللاعنفي والصراع الخارجي العنفي، بين المدنية والبربرية.
-               التمييز بين السلاح الشرعي والسلاح غير الشرعي، من حيث حامله أي المحارب أو المجرم.
ويبقى التمييز بين الحرب والسلم نفسه.

لكن في النصف الثاني من القرن العشرين اندلعت الحروب غير النظامية وغير الرسمية، بدءاً بحركات المقاومة أيام الحرب العالمية الثانية وحرب العصابات التي شنها ماو تسي تونغ وخلفاؤه، فكانت مؤشر إلى أشكال الحرب الجديدة، من حيث اللاعبون، والتقنيات، والتقنيات المضادة، فبرزت شروخ في نمط الحرب الحديثة، حيث وفرت طرق جديدة في تنظيم العنف اجتماعياً. ولقد حجبت سيطرة النزاع بين الشرق والغرب خلال الحرب الباردة، الكثير، وفي نهايتها، حيث بدأ خطر " حرب جديدة" يجعلنا ندرك أنه أصبح هناك ولعاً متجدداً بالقتال والحرب.

ويقول كلاوزفيتز " أن كل عصر يخوض الحروب بأساليبه الخاصة". وهذا يفسر لنا أن لكل زمن من أزمنة الحرب سماته المميزة له.


وأخيراً، قد تصدق نبوءة ألبرت أينشتاين عندما قال مشيراً إلى خطر حرب نووية " لا أعرف بأية أسلحة سيتم إنقاذ العالم من الحرب العالمية الثالثة، إلا أن ما أعرفه هو أن الحجارة ستستخدم في الحرب الرابعة".

ليست هناك تعليقات:

مشاركة مميزة

  حصــــــــــــار المفـــكــــريــــــن الاستراتيجية والاستراتيجية المضادة المطلوب الثبات بصلابة أمام" حصار الداخل والخارج: إن التص...