2024-08-31

 حصــــــــــــار المفـــكــــريــــــن


الاستراتيجية والاستراتيجية المضادة


المطلوب الثبات بصلابة أمام" حصار الداخل والخارج: إن التصدي بحكمة ضد سياسة الذين يحاصرون المفكرين والشرفاء في معركة مكافحة الفساد" يتطلب الحكمة في التعاطي خاصة أن الخارج متواطئ مع الداخل الذي لا يرى سوى مصالحه الضيقة والشخصية. 

اولاً - إن حصار المجتمع للمفكرين والقادة الشرفاء في بلد غارق في الفساد شيء طبيعي، ومن ضمن هذا السياق يمكن أن يكون نتيجة عدة عوامل مترابطة وكي ننجح في كيفية المواجهة للحصار علينا ان نفهم الأسباب:

1.  التفكير المختلف: المفكرون غالبًا ما يطرحون أفكارًا جديدة ومبتكرة تتحدى القواعد والقيم التقليدية. هذا يمكن أن يُنظر إليه على أنه تهديد للوضع القائم، مما يؤدي إلى رفض المجتمع لهذه الأفكار.

2.  الخوف من التغيير: المجتمعات تميل إلى التمسك بالعادات والتقاليد. عندما يأتي المفكر بفكرة قد تؤدي إلى تغيير جذري، يمكن أن يولد ذلك خوفًا من المجهول أو من فقدان الهوية الثقافية.

3.  سوء الفهم: قد لا يتمكن المجتمع دائمًا من فهم الأفكار المعقدة أو الجديدة التي يطرحها المفكر، مما يؤدي إلى سوء تفسيرها وبالتالي رفضها أو حتى اعتبارها تهديدًا.

4.  التأثير الاجتماعي والسياسي: قد يشعر القادة أو السلطات في المجتمع بأن أفكار المفكر قد تهدد مراكزهم أو قوتهم. لذلك قد يعملون على تهميش أو قمع هذه الأفكار والمفكرين.

5.  الرفض الجماعي: غالبًا ما ينحاز الأفراد إلى الرأي العام أو التوجهات السائدة خوفًا من العزلة أو الانتقاد، وهذا يمكن أن يؤدي إلى رفض المجتمع بأكمله للمفكر أو أفكاره.

هذه العوامل تجعل المفكر يجد صعوبة في إيصال أفكاره أو قبولها، مما يؤدي إلى نوع من العزلة أو الحصار الفكري.

مواجهة حصار المجتمع للمفكرين تتطلب استراتيجيات متنوعة تعتمد على التحلي بالحكمة والصبر والإبداع. إليكم بعض الطرق التي يمكن أن تساعدكم في التعامل مع هذا التحدي:



1.  الصبر والثبات: ينبغي للمفكر أن يتحلى بالصبر وأن يظل ثابتًا على قناعاته. الأفكار الجديدة غالبًا ما تستغرق وقتًا لتجد قبولًا، ومن المهم عدم الاستسلام أمام الرفض الأولي.

2.  التواصل الفعّال: من المهم أن يتقن المفكر فن التواصل مع أصحاب الأهداف المشتركة ومع الآخرين، باستخدام لغة مبسطة وواضحة تساعد على إيصال أفكاره بشكل يفهمه الجمهور. يمكن استخدام أمثلة من الحياة اليومية لربط الأفكار النظرية بالواقع العملي.

3.  بناء التحالفات: البحث عن أشخاص يشاركون نفس الأفكار أو لديهم استعداد لفهمها ودعمها يمكن أن يكون له تأثير إيجابي. وجود مجموعة داعمة قد يسهم في تقوية الموقف أمام المجتمع.

4.  تقديم الأفكار بشكل تدريجي: بدلاً من تقديم أفكار جديدة دفعة واحدة، يمكن تقسيمها إلى أجزاء أصغر وتقديمها تدريجيًا، مما يسهل تقبلها ويقلل من حدة ردود الفعل السلبية.

5.  الاستفادة من المنصات المتنوعة: استخدام وسائل الإعلام المختلفة، سواء التقليدية أو الرقمية، للوصول إلى جمهور أوسع. الكتابة، المحاضرات، ومقاطع الفيديو يمكن أن تكون وسائل فعالة لنشر الأفكار.

6.  التعلم المستمر: يجب أن يظل المفكر على اطلاع دائم بالتغيرات المجتمعية والثقافية، وأن يكون قادرًا على تعديل أساليبه وتكتيكاته بما يتناسب مع الظروف الراهنة.

7.  الاستفادة من النقد: من المهم أن يكون المفكر منفتحًا على النقد البنّاء، وأن يستخدمه كفرصة لتحسين أفكاره أو أساليب تقديمها. هذا يعزز من مصداقيته ويظهر مرونته الفكرية.

8.  تحويل مقاومة الافكار إلى حوار: بدلاً من الدخول في صدامات مع المجتمع، يمكن محاولة تحويل الافكار إلى حوار مفتوح، حيث يمكن توضيح الأفكار بشكل أعمق وإظهار الفوائد التي قد تجلبها هذه الأفكار.

مواجهة الحصار الفكري ليست سهلة، لكنها جزء من دور المفكر في قيادة المجتمع نحو التقدم والتغيير الإيجابي خاصةً أمام الذين في مواقع حزبية، وقادة تخاف من فقدان مراكزها.

ثانياً - إن مواجهة الفساد السياسي والمالي هو تحدٍ كبير، وحصار الشرفاء الذين يقاومون هذا الفساد يُعد من أخطر العقبات التي قد تواجههم. لمواجهة هذا الحصار، يمكن اتباع استراتيجيات محددة:



1.  بناء شبكة دعم: من المهم أن يتكاتف الشرفاء مع أشخاص أو مجموعات أخرى تشاركهم نفس الأهداف. التحالف مع منظمات المجتمع المدني، الصحفيين المستقلين، أو الشخصيات العامة يمكن أن يوفر الحماية والدعم اللازمين.

2.  استخدام الإعلام بحكمة: الإعلام هو سلاح قوي ضد الفساد. ينبغي استخدام وسائل الإعلام المختلفة، بما في ذلك الصحافة، والتلفزيون، ووسائل التواصل الاجتماعي، لكشف الفساد والتوعية به. المعلومات الصحيحة والمنظمة يمكن أن تفضح الفساد وتعبئ الرأي العام ضد الفاسدين.

3.  اكمال عمل التوثيق والجمع: متابعة توثيق الأدلة على الفساد بشكل منهجي ومنظم مهم للغاية. ويجب جمع جميع الوثائق والشهادات في أماكن آمنة والتي تثبت الفساد لضمان تقديم قضية قوية في حال وصلت الأمور إلى القضاء أو تم تسريبها للإعلام.

4.  الحماية القانونية: من الضروري أن يكون لدى الشرفاء معرفة بالقوانين التي تحميهم، وأن يحصلوا على دعم قانوني إذا لزم الأمر. يمكنهم أيضًا اللجوء إلى منظمات حقوق الإنسان للحصول على الحماية.

5.  التوعية والتثقيف: العمل على تثقيف وتوعية الناس حول الفساد وأضراره، وكيفية محاربته. كلما زاد وعي المجتمع بالفساد، أصبح من الصعب على الفاسدين ممارسة فسادهم دون محاسبة.

6.  التحرك الدولي تحت ضغط المفكرين: إذا كان الفساد متجذرًا في النظام، قد يكون من المفيد اللجوء إلى المجتمع الدولي. التواصل مع المنظمات الدولية التي تراقب الفساد، ويمكن أن يساهم عملنا المشترك في زيادة الضغط على النظام الفاسد.

7.  التمويه الاستراتيجي: في بعض الحالات، قد يكون من الضروري التحرك بسرية أو استخدام أساليب غير تقليدية لتجنب الحصار المباشر من الفاسدين. هذا يشمل العمل من وراء الكواليس أو استخدام شخصيات وسطاء لنقل الرسائل.

8.  الاستمرار في المقاومة: على الرغم من الصعوبات، يجب على الشرفاء ألا يتخلوا عن قضيتهم. المثابرة والتفاني في محاربة الفساد يمكن أن يؤدي في النهاية إلى تحقيق تغيير حقيقي، حتى لو كان بطيئًا.

محاربة الفساد تتطلب شجاعة وصبرًا، والتحدي الأكبر هو الاستمرار في المقاومة حتى في وجه الضغوط الكبيرة.

إن مجتمع لا يسمع للمفكرين هو مجتمع يواجه عدة تحديات على مستوى التنمية والتقدم. في مثل هذا المجتمع، يتم تجاهل الأفكار الجديدة والابتكارات التي يمكن أن تحسن من ظروف الحياة وتقود إلى التغيير الإيجابي. هناك عدة عواقب لمثل هذا التجاهل:



1.  الركود الفكري: عندما لا يُستمع إلى المفكرين، يظل المجتمع عالقًا في الأنماط التقليدية والقديمة من التفكير. هذا يؤدي إلى غياب الابتكار وصعوبة التكيف مع التغيرات العالمية.

2.  تفاقم الأزمات: المفكرون غالبًا ما يكونون أول من يتنبأ بالمشكلات المستقبلية ويقترح حلولًا لها. عدم الاستماع لهم يعني أن الأزمات قد تتفاقم دون وجود استراتيجيات فعالة لمواجهتها.

3.  غياب القيادة الفكرية: المجتمع الذي لا يستمع لمفكريه يفتقر إلى القيادة التي يمكن أن توجهه نحو مستقبل أفضل. تصبح القرارات عشوائية أو موجهة من قبل مصالح ضيقة، مما يؤدي إلى فوضى أو فشل في تحقيق الأهداف الكبرى.

4.  انتشار الجهل والخرافات: بدون التوجيه الفكري، قد يعتمد الناس على الخرافات أو المعلومات غير الصحيحة في تفسير الأمور وإدارة حياتهم، مما يؤدي إلى تضليل الجماهير وتدهور القيم والمعرفة.

5.  فقدان الهوية الثقافية: المفكرون يلعبون دورًا حاسمًا في الحفاظ على الهوية الثقافية وتطويرها. تجاهلهم يؤدي إلى ضياع التراث الثقافي والفكري، ويترك المجتمع عرضة للتأثيرات الخارجية السلبية.

باختصار، مجتمع لا يسمع للمفكرين هو مجتمع معرّض للتراجع، حيث يسيطر الجمود على التقدم، وينخفض مستوى الوعي والمعرفة، مما يضعف من قدرة المجتمع على مواجهة تحديات الحاضر والمستقبل

2024-04-13

القوى الوطنية والاسلامية عشية اندلاع الحرب اللبنانية عام 1975



القوى الوطنية والاسلامية السياسية قبيل اندلاع الحرب اللبنانية 

ريمون إده والرئيس سليمان فرنجية

1- كان هناك تحالف ماروني – سني جمع ريمون إده وصائب سلام ورشيد كرامي تحت اسم "التحالف الثلاثي". وقد حاول إده المعارض الأبرز للرئيس سليمان (الجد) فرنجية، أن ينتزع من الرئيس أو أي مرشح يدعمه الرئيس، القدرة على لعب دور مؤثر في الانتخابات الرئاسية. أما كرامي وسلام فكان همهما الأساس التصدي للخطر السياسي الذي كان يشكله كمال جنبلاط.
أبو إياد - أبو عمار - كمال جنبلاط
2- استطاع كمال جنبلاط أن يسجل تقدماً سياسياً مهماً، ويحشد المؤيدين من كل الطوائف، إلا أن العائق الأكبر في وجهه كان يكمن في الطائفة المارونية التي كان عاجزاً عن إزاحة أيّ من أقطابها الراسخي المواقع، أو التأثير الفعلي في مواقعهم لأسباب عديدة، تاريخية وسياسية. لكن جنبلاط، مع ذلك، كان في العام 1975 أكثر قدرة من ذي قبل على التأثير في مجريات السياسة اللبنانية بجوانبها كافة. 
3- قوى اليسار كانت تعتبر النظام السياسي جامداً ومتخلفاً، لأكن الأحزاب اليسارية استطاعت في هذا النظام، على رغم شوائبه، ومنذ أواخر الستينيات،
محسن ابراهيم - أبو عمار - جورج حاوي
 أن توسّع رقعة امتدادها ونفوذها بسرعة قياسية وأن تزيد من تأثيرها الفاعل خصوصاً عن طريق توسيع تمثيلها البرلماني. ربما كانت الأحزاب اليسارية في وضع أكثر فاعلية وتأثيراً لو أن قانون الانتخاب كان مختلفاً ولا زال، ولكن كل الأحزاب في الواقع تبقى خاضعة لسقف معين من الشعبية والنفوذ، تملكه الأحزاب السياسية في الديمقراطيات الغربية، فكيف إذا كان المجتمع تعدياً كما هو في لبنان. 
4- ثمة تيار آخر برز على الساحة السياسية داخل الطائفة الشيعية بقيادة الامام موسى الصدر ذي "الكاريزما" المتميزة. ومع أن الطائفة الشيعية لم تنل من حجم التمثيل السياسي ما يوازي حقها فيه. فإن النظام السياسي بحد ذاته لم يمنع الشيعة من نيل هذا الحق في المؤسسات السياسية. الواقع أنّ الإمام الصدر، اللبناني الأصل الإيراني المولد الذي جاء لبنان في أواخر الخمسينيات، لم يواجه صداً من تيار القوى السياسية الشهابية في عقد الستينيات ولا مع النظام السياسي عموماً في عقد السبعينيات. 
الامام السيد موسى الصدر
ولكن كان عليه أن يخترق طائفته بالذات التي كانت في قبضة الزعامات التقليدية. ولا شك أن أفكار الصدر وأهدافه أثارت قلقاً كبيراً لدى القيادات الشيعية والأحزاب اليسارية التي كانت تسعى لتوسيع قاعدة نفوذها داخل الطائفة الشيعية ولاجتذاب النخب السياسية والثقافية فيها التي كانت ميولها الراديكالية تتزايد.
اندلاع أعمال العنف في العام 1975 لم يكن ليستفيد منه الضرورة معظم الساسة اللبنانيين الكبار، لكنهم مع ذلك لم يترددوا في استغلاله تأميناً لمصالح سياسية. 

2023-12-01

جرعة تذكيرية من بيروت 1982 الى غزة 2023

 

جرعة معلومات استرجاعية تذكيرية

 من بيروت 1982 الى غزة 2023



عملية "طوفان الأقصى" التي شكّلت تحدياً للكيان المؤقت، وهزيمة استراتيجية للجيش الإسرائيلي وأجهزته الاستخباراتية، وتعتبر ملحمة بطولية للمقاومين الفلسطينيين، فيما العدو يسعى الى تحويلها الى فرصة لتحقيق انتصار عسكري عجز عن تحقيقه حتى الساعة على أرض المعركة، ومؤخراً كثُر الحديث في الإعلام الإسرائيلي والداعم له عما يُسمى "نموذج بيروت". ولمن لا يتذكر ما حصل في بيروت عام 1982، سنحاول الإضاءة على بعض تفاصيل تلك المرحلة، ما قبل خروج المقاومة الفلسطينية وما بعدها لعل.

صباح يوم 4 حزيران /يونيو 1982 استيقظ اللبنانيون على غارات للطيران المعادي على بيروت على خلفية محاولة اغتيال السفير الإسرائيلي في لندن شلومو أرغون الذي أصيب إصابة بالغة، كانت المحاولة شرارة غزو لبنان، تحت مسمى "عملية سلامة الجليل" علماً أن وزير الحرب الإسرائيلي آنذاك إرييل شارون حدد هدفاً ثانياً وهو "إقامة دولة مسيحية في لبنان"، كما صرّح رئيس الأركان الإسرائيلي السابق آنذاك مردخاي غور، لصحيفة معاريف في 18 نيسان/أبريل 1982.

ومع بدء العمليات براً وجواً وبحراً صرح مصدر مسؤول في منظمة التحرير الفلسطينية بأن الغارات الإسرائيلية "هي مقدمات لزيارة فيليب حبيب الى المنطقة. وأنه قرار أميركي بإبادة الشعب الفلسطيني والقوى اللبنانية وهذه هي المعالجة الأميركية لاختلال موازين القوى في المنطقة". فيما أدان وزير الخارجية اللبناني فؤاد بطرس في اليوم التالي ما وصفه ب "لا مبالاة الاخوان العرب" والصمت العربي. ومع حلول السادس من حزيران/ يونيو 1982 بدأ الجيش الإسرائيلي اجتياحاً واسعاً لجنوب لبنان، ونجحت المقاومة والقوات المشتركة في إسقاط طائرة حربية إسرائيلية وأسر قائدها. فيما أعلن الرئيس الإيراني آنذاك السيد علي خامنئي في رسالة بعث فيها الى الرئيس السوري حافظ الأسد "أن إيران تضع قواتها المدرعة والمشاة على أهبة الاستعداد لإرسالها في أول فرصة الى جبهة القتال مع إسرائيل". فيما أوفد الرئيس الأميركي موفدة الشخصي فيليب حبيب فوراً إلى الكيان المؤقت. وبحسب الجنرال ألكسندر هيغ وزير الخارجية الأميركي فإن أهداف مهمة حبيب هي انسحاب القوات الإسرائيلية ووقف إطلاق النار فورا، كما ذكر هيغ أن الرئيس ريغان ما زال يدرس الغزو الإسرائيلي للبنان لتحديد إذا ما كان دفاعاً مشروعاً عن النفس!

وفي 13 حزيران/ يونيو 1982 نقلت لجنة وزارية إسرائيلية الى فيليب حبيب شروطاً إسرائيلية لتسوية سياسية تسبق انسحابها من لبنان هي:

أ-أن الكيان المؤقت لا يوافق على ان تكون في لبنان قواعد "للمخربين".

ب-أن الكيان المؤقت لن يغادر المنطقة التي احتلها "الجيش الإسرائيلي" إلا بعد أن يتم اتخاذ الترتيبات المناسبة التي تمنع قيام تأسيسات جديدة لمنظمات "التخريب"، وتضمن سلامة المستوطنات في الشمال بعيدة عن مدى قذائف المدافع وصواريخ الكاتيوشا.

ج-يطمح الكيان المؤقت أن تجلو عن لبنان كل القوات الأجنبية الموجودة فيه.

فيما دعا الإمام الراحل السيد روح الله الخميني، في كلمة بثتها الإذاعة الإيرانية، الى استخدام سلاح النفط العربي ووصف الغزو الإسرائيلي للبنان، بأنه "كارثة على الإسلام وجميع المسلمين". أما رئيس مجلس الشورى الإيراني هاشمي رفسنجاني فانتقد قرار وقف إطلاق النار وقال إن “إيران بسبب وجودها على الجبهة لها الحق أكثر من أي دولة أخرى في إدانة قبول وقف إطلاق النار في لبنان"، وأكد " وجود وحدة إيرانية أولى على الجبهة اللبنانية وان هناك وحدة أخرى في طريقها الآن"، وختم بالقول" وإذا ما قاومنا لمدة شهور ووصل متطوعو الدول الإسلامية الى الجبهة فسنتمكن من رؤية نهاية الصهيونية في المنطقة".

وبعد يومين صرح وزير الخارجية الإسرائيلي إسحاق شامير أن الكيان المؤقت يضع شرطين للانسحاب من الأراضي اللبنانية، وهما:" تشكيل حكومة لبنانية قوية وحرة يمكن الحوار معها، وتشكيل قوة متعددة الجنسية تنتشر على مسافة 40 كلم من الحدود الشمالية لإسرائيل بضمانة الولايات المتحدة ومشاركة عدد من الدول التي ترغب في ذلك".

فيما وجّه ياسر عرفات في 17 حزيران/ يونيو 1982 رسالة الى جماهير الشعب اللبناني والفلسطيني والقوات المشتركة وجماهير الأمة العربية حيا فيها المقاتلين، وأكد أن بيروت ستكون مقبرة للغزاة. وفي 27 حزيران/يونيو دعا عرفات المبعوث الأميركي الى إجراء محادثات مباشرة معه دون وسطاء. وأكد أن إسرائيل ستقوم بهجوم على بيروت الغربية خلال الأسبوع الحالي، وأشار الى أنه "يفتش عن حل سياسي لمنع وقوع ضحايا بين المواطنين العزل".

                                 رئيس الجمهورية الياس سركيس                               رئيس الحكومة شفيق الوزان                                          
في اليوم التالي عقد في قصر بعبدا اجتماع ضم الرئيسين الياس سركيس وشفيق الوزان والوزير بطرس وفيليب حبيب، وسلم الوزان لحبيب أفكاراً فلسطينية تتضمن إبقاء وجود عسكري رمزي في ثكنتين في شمال لبنان بإشراف الجيش اللبناني وتسليم الأسلحة الى الجيش وإبقاء عناصر عسكرية مسلحة في المخيمات الفلسطينية يختلف عددها باختلاف أحجام المخيمات. وتتناول المقترحات أيضاُ تصوراً لخروج المقاومة وقادتها من لبنان وتطلب مهلة زمنية لتنفيذ ذلك. رد إسرائيل نقله فيليب حبيب الى لبنان وكان رفض 3 نقاط من المقترحات الفلسطينية هي: الانسحاب 5 أو 10 كيلومترات من حول بيروت، إبقاء وجود عسكري فلسطيني في لبنان، إبقاء منبر سياسي واعلامي للمقاومة الفلسطينية في لبنان.

وفي مطلع تموز/يوليو 1982 وصف عرفات في حديث لصحيفة "ليبراسيون" الفرنسية قرار مغادرة بيروت بأنه دعاية سخيفة، وأشار إلى استعداد المقاومة لأسوأ الاحتمالات. وفي 4 تموز/ يوليو أقفل الجيش الإسرائيلي بوابة العبور بين المنطقة الغربية من بيروت والمناطق الأخرى كما قام بقطع المياه والكهرباء وخطوط التموين عن التموين عنها. فيما رفض الحكومة الإسرائيلية المقترحات الفلسطينية، وقالت " يجب أن يرحل كل "الإرهابيين" الفلسطينيين من لبنان" ورفضت رفضاً قاطعاً أي اقتراح بوجود مادي أو رمزي في شكل سياسي تنظيمي أو عسكري للفلسطينيين في لبنان". وفي 7 /7/ 1982 صرح ياسر عرفات في مقابلة لصحيفة "النيويورك تايمز" أنه يرفض أي محاولة أميركية للتدخل في اخرج قوات منظمة التحرير من بيروت"، وفي 9/7 قال الموفد الأميركي في تصريح لصحيفة "الواشنطن بوست" أن "اتفاقاً سيتم التوصل اليه في نهاية الأسبوع لضمان نزوح رجال المنظمات الفلسطينية عن غرب بيروت". وأشار ان نزوح المنظمة من بيروت وانسحاب إسرائيل ووصول القوات الدولية سيتم في آن مع اخذ حساسية رجال المنظمات حيال وجود جنود إسرائيليين عندما يغادرون بيروت في الاعتبار". وفي اليوم التالي وجه ياسر عرفات رسالة الى الشعبين اللبناني والفلسطيني والأمة العربية ندد فيها بالصمت العربي، وقال ان ما نشهده اليوم "هو محاولة لمتابعة المسرحية" التي يقودها ويخرجها المبعوث الأميركية و"سيد واشنطن". فيما دعا عرفات في 14/7 في حديث تلفزيوني بث في الولايات المتحدة الى حوار مباشر بين المنظمة والولايات المتحدة، وقال "أن الولايات المتحدة أحد المفاتيح الأساسية لحل الازمة" و" أن أسلوب التفاوض عبر خمس أو ست قنوات ليس دقيقاً". فيما قال الأمام آية الله الخميني بعد يومين، في رسالة بثتها الإذاعة الإيرانية، "انني أنصح القادة الفلسطينيين بوقف المفاوضات والاعتماد على الله وعلى الشعب الفلسطيني وعلى سلاحهم، وأن يقاتلوا إسرائيل حتى الموت. إن هذه المفاوضات ستثبط عزائم الشعوب التي تقاتل من أجلكم".

الرئيس رونالد ريغان ومبعوثه فيليب حبيب

ومع دخول الشهر الثالث للغزو الإسرائيلي للبنان وتحديداً في 3 آب/ أغسطس 1982 قال رئيس الحكومة اللبنانية شفيق الوزان أنه تسلم جواب منظمة التحرير على تصور حبيب ونقله اليه، واضح الوزان ان السعي يتركز على إزالة التباين بين مشروعي حبيب والمقاومة. واكد على أن موقف الحكومة اللبنانية بضرورة أن تكون المغادرة الى خارج لبنان مباشرة قد ابلغ الى جميع الأطراف، وأن الحكومة ناشدت ان يكون وراء وجود القوات المتعددة الجنسيات ليس فقط لضمان انسحاب الفلسطينيين المقاتلين وإنما أيضاً ضمان السلامة لمنطقة بيروت وضواحيها برمتها، وشار على أن هذا مطلب لبناني تحرص عليه القيادات الوطنية الإسلامية. ووفقت م.ت.ف وارسلت مقترح برنامج زمني لخروج المقاتلين الفلسطينيين، رأى المبعوث الأميركي فيليب في الوثيقة أنه بناءة وإيجابية.

في التاسع من آب/ أغسطس 1982 خطب رئيس وزراء العدو مناحيم بيغن، في كلية الدفاع الوطني قائلا: " أن هناك أساسا لافتراض انهم (الفدائيون) سيرحلون سريعاً ولن يتعين علينا دخول بيروت الغربية" وقال:" ان إسرائيل لن تعترض إذا كانت هناك أقلية من حوالي 2500 فدائي في بيروت عندما تصل القوة الدولية المقترحة، وإذا ما رفضت هذه القوة الرحيل فسيتعين على الأميركيين والإيطاليين والفرنسيين إجبارهم على الخروج". وفي اليوم التالي اجتمع فيليب حبيب الى مناحيم بيغن، وأعرب بيغن عن أمله أن "تعرف "إسرائيل" فترة سلام تمتد 40 عاماً حسب التوراة وذلك بعد الخرب اللبنانية" وأشار أن عملية الاجلاء سوف تبدأ في الأسبوع المقبل.

وصبيحة 19 آب/ أغسطس 1982 نشرت الصحف اللبنانية في بيروت نص مشروع فيليب حبيب لخروج المقاومة الفلسطينية من بيروت، والذين تضمن 14 نقطة؛ هي:

1-   وقف النار وقفاً شاملاً.

2-   مغادرة بيروت بطريقة سلمية وفق برنامج زمني.

3-   فريق القوات المتعددة الجنسيات يرافق سير العملية.

4-   الفلسطينيون غير المقاتلين والذين سيبقون في لبنان يخضعون للقوانين والأنظمة اللبنانية.

5-   يوم المغادرة ستنتشر القوات المتعددة الجنسيات لتأمين سلامة الفلسطينيين واللبنانيين في المنطقة الغربية من بيروت ومساندة الدولة في بسط سلطتها. وستتألف هذه القوات من 800 عنصر أميركي و800 عنصر فرنسي و400 إيطالي و3000 عنصر فيمن الجيش اللبناني أو أكثر وفقاً لمتطلبات المحافظة على الأمن.

6-   إذا تعذر تنفيذ أحد البنود تعتبر مهمة القوات المتعددة الجنسيات منتهية.

7-   عمل القوة المتعددة الجنسيات لمدة شهر واحد، ويحق للدولة اللبنانية تمديد مهمتها إذا رأت ضرورة لذلك.

8-   يشار الصليب الأحمر في المساعدة على المغادرة.

9-   المغادرة تكون بحراً من مرفأ بيروت وجواً الى قبرص وبرا على طريق بيروت – دمشق، على أن يبتعد الجيش الإسرائيلي عن الطريق الدولية لتأمين سلامة الانسحاب، فيما يتولى الجيش اللبناني التنسيق مع منظمة التحرير الفلسطينية.

10-                     المدة المحددة لإتمام الانسحاب هي 15 يوماً، ويتم في وضح النهار وينقل المقاتلون معهم أسلحتهم الخفيفة (مسدس أو بندقية).

11-                     تسلم الأسلحة الثقيلة الى الجيش اللبناني.

12-                     قيادة المقاومة تغادر لبنان علناً، ويتم اعلان ذلك على نحو واضح ومكشوف.

13-                     تسليم الطيار الإسرائيلي الأسير لدى المقاومة قبل التنفيذ.

14-                     تغادر ألوية جيش التحرير الفلسطيني براً، أما القوات السورية الموجودة في بيروت فتخرج إلى البقاع أو المشال حيث توجد القوات السورية.

وفي 21 آب/أغسطس 1982 انطلقت الدفعة الأولى من المقاتلين الفلسطينيين بحراً الى قبرص ومنها الى الأردن والعراق، وكانت صباحاً قد رست سفينة الإنزال الفرنسية "لاديف" وعلى متنها 350 جندياً فرنسياً. وتتالت الدفعات التي توجهت بحراً الى تونس واليمن وسوريا والسودان، وكل ذلك وسط وداع شعبي وتظاهرات حاشدة. وفي اليوم الرابع لبدء الانسحاب وصلت الى مرفأ بيروت القوة الأميركية المشاركة في القوة المتعددة الجنسيات والمكونة من 800 عنصر من المارينز واستلمت المواقع المحددة لها في محيط المرفأ. فيما أكد ياسر عرفات انه سيبقى ممسكاً بغصن الزيتون. وفي 30 آب/ أغسطس قال عرفات:" أنا راحل غير أن قلبي سيظل في بيروت...ولسوف استمر في النضال فكل الدروب تؤدي الى فلسطين...أما اقامتي في لبنان فكانت مرحلة في معركة". وبهذه الكلمات ودع مودعيه من المسؤولين الرسميين والحزبيين قبل مغادرته مرفأ بيروت الى اليونان في احتفال رسمي وشعبي. واستمر خروج قوات المقاومة الفلسطينية والقوات السورية لغاية الأول من أيلول.

بعد هذا العرض المطول لبعض الوقائع والمواقف التي رافقت الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982، خاصة التي واكبت الوصول الى قرار خروج المقاومة الفلسطينية من بيروت. هذا الخروج الذي أدى الى جملة أحداث مفصلية في الصراع مع العدو الإسرائيلي، وسنحاول إبرازها بشكل سريع.

بداية، اجتياح الجيش الإسرائيلي لمدينة بيروت في 15 أيلول/ سبتمبر 1982، بُعيد اغتيال بشير الجميل، فيما حصلت مجازر صبرا وشاتيلا، التي أجمعت التقديرات ان العدد يفوق الـ 1400 شخص من الفلسطينيين واللبنانيين، فيما صرح ياسر عرفات " أن المذابح التي تشهدها بيروت الغربية خططت لها إسرائيل ونفذتها بينما غطتها الولايات المتحدة الأميركية تماماً". وأهم كانت الرصاصات والعبوات الناسفة التي تفجرت في قوات جيش العدو الغازية والتي انطلقت من قلب بيروت وأعلنت بزوغ فجر المقاومة، والتي جعلت الجيش الإسرائيلي يناشد المقاتلين عدم إطلاق النار وأن الجيش الإسرائيلي سينسحب فوراً من بيروت، وفعلا بدء مع صباح يوم 22 أيلول 1982.



الخلاصة من هذا التقرير التوثيقي، القول إن “نموذج بيروت" أي الاتفاق الذي أخرج المقاومة الفلسطينية لم ينفذ، فقد سال دم مخيمات بيروت في مجازر دموية، وقام الكيان المؤقت باقتحام بيروت خارقاً الاتفاق، وكل ذلك تحت ضمانة ورقابة وتأييد المجتمع الغربي على رأس الولايات المتحدة الاميركية، كما ظهرت موقف القيادة الفلسطينية المتناقضة، فيما برزت مواقف الدعم والمساندة من قبل بعض الدول. ولعل أهم النتائج الإيجابية للغزو الإسرائيلي كان ولادة المقاومة التي لقنت هذا العدو المتغطرس أبلغ الدروس وحققت الانتصارات تلو الانتصارات ...وسيبقى رجال الله رجال المقاومة سائرون على درب القدس...

2023-09-15

الاستخبارت الاميركية واغتيال بشير الجميل

 الاستخبارات الاميركية و أغتيال بشير الجميل



208- كان المستشار السياسي في السفارة الأميركية في بيروت حليم معماري يتردّد على مكتبي في بيروت، وهو صديق لي.

في 11 أيلول 1982، أتاني قائلاً: بشير نظيف ونزيه".

لم افقه المقصود بكلامه. خلال الحديث معه سألته عن تقويمه للأوضاع فأجابني: "بشير لا ينتبه لنفسه".

ذكرّته بنصائح الياس سركيس له، بالركون في مكان وعدم التنقّل بحرية على نحو ما كان يفعل، وأن الرئيس طلب منه اتخاذ القصر الجمهوري مقراً لاجتماعاته التحضيرية تمهيداً لتسلمه سلطاته، بعدما أصبح رئيساً منتخباً.

قال لي حليم معماري: "اليد التي ستقتل بشير أُطلقت في الشوارع. وهي اليوم تفتش عنه لتقتله"

سألته مَن يرجّح أن تكون، فأجاب:

-         "خليط من القريبين من الزغرتاويين ومن الفلسطينيين".

-         قلت: أن الزغرتاويين عاجزون عن الوصول إليه، وكذلك الفلسطينيين.

-         كرر العبارة نفسها: “اليد التي ستقتل بشير أُطلِقت في الشوارع".

كنا قد نصحنا بشير مراراً بالتروي والتنبّه في حركة تجوّله خشية تعرّضه لاعتداء يستهدف حياته.

اليوم التالي، 12 أيلول، كنت في طريقي، زوجتي وأنا الى بعبدات، قلت لها في السيارة: -"يجب أن نعيش من الآن مع فكرة أن بشير قد يُقتل في أي لحظة"

استغربت كلامي وسألتني مصدر توقّعي أنه "رجل مطلع أكثر منا كلنا، وهو لم يقل كلمته عبثاً. كلنا نقول لبشير ان ينتبه إلى نفسه، لكن لكلام هذا الرجل دلالة مختلفة".



 

المصدر : إبراهيم نجار – الخيار والقدر


مشاركة مميزة

  حصــــــــــــار المفـــكــــريــــــن الاستراتيجية والاستراتيجية المضادة المطلوب الثبات بصلابة أمام" حصار الداخل والخارج: إن التص...