2020-06-08

رسائل "مدينة الكرامة" في زمن "العزة والكرامة"؟ تنبهوا ...

رسائل «مدينة الكرامة» ...كيف سيكون الرد عليها؟

مدينة الكرامة

ذكر الزميل «جوني منيّر» في صحيفة «الجمهورية» الصادرة صباح الاثنين 8 حزيران 2020 أن «في تَتبّع مواجهات عين الرمانة تبيّن انّ مجموعات كبيرة من الدراجات النارية دخلت الى عين الرمانة خلال ذروة التوتر ومواجهات وسط بيروت، وبدأت الاحتكاكات بالشتائم وتطورت الى إطلاق نار في الهواء، قبل ان ينجح الجيش في السيطرة على الوضع. ولكن هل حملت الدراجات النارية رسالة ما؟ في التحقيقات الاولية تبيّن انّ هذه المجموعة لم تنطلق من الشياح بل من حي السلم، وهي جابَت العديد من المناطق قبل الدخول الى عين الرمانة، ما يدفع لاستبعاد فرضية توجيه رسالة ما».


ولا بد من العودة إلى الذاكرة، إلى زمن ما قبل إغتيال الرئيس رفيق الحريري، إلى زمن الجوع المُزمن، وعودة إلى «حي السلم» ، الذي شهد انتفاضة في 27 أيار 2004، تزامنت وتحرك مطلبي دعا إليه الاتحاد العمالي العام وجاء في نشرة توجيهية للجيش اللبناني يومذاك « ليس سراً أن العدو الإسرائيلي يستغل الوضع الدولي الراهن ليحقق أكبر قدر من المصالح، فمع تصاعد حمى الحرب على الإرهاب، وما يجري في فلسطين والعراق من أحداث خطيرة، استشعرت القيادة خطراً إسرائيلياً يتهدد أمن لبنان وسوريا من خلال الخرق المستمر لطيران العدو للأجواء اللبنانية كافة، إضافة الى تهديدات بأساليب مختلفة، الأمر الذي حفّز العسكريين الى اتخاذ أقصى درجات الحذر والحيطة لمنع أية محاولة عدوة للنيل من استقرار البلاد ووحدتها. كما أن انتصار المقاومة الوطنية اللبنانية ضد الاحتلال الإسرائيلي، والتفاف اللبنانيين جميعاً حول جيشهم ومقاومتهم، (...)».


وكتب خضر سلامة في «مجلة الحوار المتمدن» يومها : «قدّسوا ما شئتم من مصطلحات فارغة، فنحن نعلم أن لنا معبداً في عيون القتلى.. محراباً يشهد أننا نحن، نحن أجمل الفقراء..

في 27 أيار – ذكرى مجزرة حي السلم، نكمل خاطرة الكفر بأصنام الوطن المسخ السياسية، ونسجد نستغفر من إلهٍ بثيابٍ رثة، يكنس شوارع مدينتنا.. ويغني لربيع آت لا محالة، ليزرع في كل حي سلمٍ في العالم، مليون أقحوانة».

ستظل وحدك يا حي السلم.. سنظل وحدنا.

«أسماء ضحايا اتفاق الطائف ممثلاً بمجزرة «حي السلم» في 27 أيار 2004 نقلاً حرفياً عن الصحف اللبنانية:

علي خرفان (19 عاما) وشيع في «حي السلم» في اليوم التالي، وكان قد أنهى خدمة الجيش قبل حوالي الشهر من استشهاده كما أخبرنا أخاه في مقابلة مصورة قائلا: "البدلة (بزة الجيش) التي خدم سنة كاملة من أجلها قتلته».

زكريا أمهز (33 عاما) وشيع في قضاء الهرمل. وتلا الدفن اعتصام أمام سرايا الهرمل حيث طالب أهله بمحاسبة المسؤولين عن قتله.

حسام ياغي (20 عاما) وشيع في بلدته يونين، قضاء بعلبك.

خضر شريف (21) وشيع في بلدته اللبوة، قضاء بعلبك. وأصدر أهله بيانا جاء فيه « إن إبننا لم يسقط في سرقة أو قتل أو نهب بل سقط دفاعا عن لقمة العيش التي أرادها شريفة"، مطالبين بكشف الحقائق ومحاسبة المسؤولين.

حسن شرارة (23) وشيع في بلدته برعشيت».


فيما طالب «الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله» يومها في مؤتمر صحفي عقده في 29 أيار 2004 بوجوب «التوقف عند ما حصل لمعالجة النتائج ولمعالجة الاسباب، طبعاً لمعالجة النتائج مطلوب تحقيقات واضحة ومحاسبة كل المقصرين، انا بقول للدولة اللبنانية والقضاء اللبناني ولكل الجهات المعنية انا مقصِّر حاسبوني، في حدا من حزب الله مقصّر حاسبوه، ما تخلوا غطاء على احد لا على حزب ولا على تنظيم وعلى نقابة ولا على جيش ولا على قوى امن ولا على اجهزة امنية ولا على اي مدني، بس بشرط ان يكون تحقيق شفاف ومنصف حقيقي.‏

في معالجة الاسباب طبعاً الاسباب واضحة، في سياسات ظالمة للسلطة، سلطة بتتحمل مسؤوليتها، مطلوب اعادة النظر بهذه السياسات مطلوب تغيير هذه السياسات، المزيد من افقار الناس من تجويع الناس من اعمال الناس من تضييع فرص العمل على الناس، المزيد من الضرائب، مزيد من الرسوم، رفع سعر البنزين، طيب هيدي الناس لاي متى بدها تتحمل، بتضل نحكي مع الناس وضع اقليمي، استراتيجيات، تهديدات في المنطقة لكن كمان في تحدي حقيقي داخلي، ثم لا يكتفى بان يفقر الناس ويجوّع الناس ثم يقتل، هؤلاء الناس اذا طلعوا ليقولوا نحنا فقراء نحنا ما عمنتحمل رفع سعر صفيحة البنزين نحنا ما منتحمل ضرائب جديدة، الى اين ستؤدي بالبلد هذه السياسات الظالمة، مش السياسات الخاطئة، لوين، هذا البلد لوين رايح؟‏


في الوقت الذي كلنا يعرف ان هناك اموراً ليست كبيرة جداً وليست عظيمة جداً يمكن القيام بها بموضوع المشتقات النفطية، بموضوعات عديدة ومختلفة على المستوى الاجتماعي والاقتصادي يمكن ان تشكل معالجات، ممكن تخفف آلام يمكن تخفف معاناة لا تقدم عليها هذه السلطة لحسابات محتكرين ولحسابات متسلطين ولحسابات بطون متوحشة لا تشبع من الماس ومن نهب المال وبكل بساطة في قضايا يمكن ان تعالج، بس بدها شوية قناعة، بالسابق قلنا انو نحن ما عمنطالب هلق بالمحاسبة، يللي سرق سرق، ويللي نهب نهب، ويللي عبّا عبّا، خلينا نسكر ملفات الماضي، وقفولنا نهب، وقفولنا احتكار، وقفولنا سمسرة، وقفولنا سرقة، طبعاً ممكن تقولوا بعدك عمبتحكي عموميات، بيجي يوم انا اضطر احكي التفاصيل».‏

يومها أدى «ماهر المقداد» دوراً لافتاً في تلك الأحداث، الذي أوقف لستة أشهر، علما أنه عمل في السفارة الأميركية لأثني عشر عاماً رئيساً لفرقة مواكبة السفراء. ومن الطريف أن "هسام هسام" الشاهد المقنع في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري كان أيضا هناك في «حي السلم» يومها!!.

وكتب «جهاد بزي» مستذكرا أحداث يومذاك «كل شيء في بيروت يستدعي غضب الجماهير إلا مقتل خمسة مهمشين غير منتمين إلى أحد. كلنا اشتركنا في مذبحة وقعت مرتين.. المرة الأولى حين ماتوا والمرة الثانية حين انقسمنا إلى أكثر من طرف. فطرف متواطئ صامت وآخر يطلق نعوتا اقلها أن الموتى زعران. وثالث لا يعنيه موت من لا يقاسمهم الفكر أو الطائفة. وكل الأطراف كانت كريهة».

وعند فجر الخامس والعشرين من تشرين الأوّل عام 2017، عمدت السلطات البلدية بمؤازرة القوى الأمنية إلى إزالة مخالفات في منطقة «حي السلم» في الضاحية الجنوبية لبيروت، الأمر الذي خلّف احتجاجات وبلبلة في المنطقة.

انتهت الفورة الإعلامية التي رافقت عملية إزالة محال مخالِفة في منطقة حيّ السلّم في الضاحية الجنوبية لبيروت، مع انتهاء مفعول الشتائم التي كالها بعض المخالِفين للدولة وللأحزاب السياسية الفاعلة في المنطقة. ولعلّ ما زاد من حدّتها هو الاستهداف الشخصي للأمين العام لـ «حزب الله» حسن نصر الله، بالشتم، في سابقة هي الأولى من نوعها داخل الضاحية المحسوبة سياسياً وأمنياً على الحزب. غادرت سيارات النقل المباشر المنطقة المكتظة بعد ساعات طويلة من نقل احتجاج عدد قليل من أصحاب المحال التجارية المبنية بطريقة مخالِفة في موقف حيّ السلّم، فيما ترافق الأمر مع اتهامات كالها أنصار الحزب لوسائل الإعلام بـ«إثارة الفتنة في الضاحية».

تاب بعض من شتم نصر الله أو اعتذر لمّا هدأت فورة الغضب التي أحدثها مشهد ركام المحال التجارية، عندما قرّرت الدولة بسط سلطتها في الحيّ فجر الأربعاء، في إطار خطة أمنية مُحكمة تجنّبت فيها السلطات الاحتكاك بالمخالِفين المُتشبّثين بمخالفاتهم. هال هؤلاء مشهد البضائع التجارية التي تبعثرت بين ركام المحال، واللافت أنّ أحداً لم يحاول سرقة البضائع التي بقيت على الطريق لساعات.

ومن جديد، كسر أبناء «حي السلم» ليل الأحد في 29 آذار 2020 الحجر المنزلي وانتفضوا بوجه السلطة التي تستغل حتى المرض سياسياً، حيث خرج عدد من الشبان الى الشوارع مطالبين بلقمة عيشهم التي خسروها بعد اقفال محالهم بسبب التعبئة العامة.


ويوم السبت في 6 حزيران 2020 خرج مئات الدراجات النارية من «حي السلم» ، وجالوا في المدينة، وذهبوا إلى حي الفقراء، أخوتهم في الجوع والفقر، إلى منطقة «عين الرمانة»...وحصل ما حصل...

وللتذكير، يقع «حي السلّم» عند الطرف الجنوبي الشرقي لضاحية بيروت الجنوبية. وهو افقر احياء الضاحية واكثرها اكتظاظاً بالسكان، اذ تشير التقديرات الى ان نحو 250 الف نسمة يسكنون في منطقة ضيقة لا تتجاوز مساحتها بضعة كيلومترات مربعة.

تشكل «حي السلم» بفعل الحرب الاهلية اللبنانية ونما وتطور بفعل الاوضاع الاقتصادية لأهالي المناطق الريفية. فقد نزح الى المنطقة مهجّرون من المناطق الشرقية لبيروت بفعل الحرب الاهلية في السبعينات. وبدأ البناء العشوائي في المنطقة المعروفة عقارياً باسم العمروسية، اذ لا يوجد في خرائط الدولة اللبنانية ما يسمى «حي السلم». ويتبع الحي عقارياً لحارة العمروسية كبرى الحارات الثلاث التابعة لبلدية الشويفات. ويشكو سكانه من ان هذه البلدية لا تهتم بهم لأنهم ليسوا من الذين يصوتون فيها خلال الانتخابات على رغم انها تجبي الضرائب منهم.


ولا توجد في المنطقة ابنية ترتفع اكثر من 3 طوابق، فالانتشار العمراني تم بطريقة افقية. وقد استغل السكان كل متر ممكن من الارض فتحول «حي السلم» الى غابة اسمنتية يصعب دخول نور الشمس الى بعض انحائها وتتلاصق جدران مبانيها بحيث تصبح بيوت الجيران كالبيت الواحد، فيما تكتظ شوارعها الضيقة التي لا تمر السيارات في بعضها، بالباعة والمارة.

وكان «حي السلم» عام 1984 صلة الوصل الوحيدة بين الضاحية الجنوبية المتمردة على سلطة رئيس الجمهورية آنذاك امين الجميل والمحاصرة من قبل الجيش، وبين الجبل، حيث يتمركز المعارضون الآخرون للجميل، وابرزهم الحزب التقدمي الاشتراكي الذي يرأسه النائب وليد جنبلاط. ومن طريق لم يكن بامكان اي من المتقاتلين السيطرة عليها كان السلاح والغذاء يمران الى المحاصرين، فتشكل الحلف بين «الضاحية الشموس والجبل الاشم». وكانت مكافأة حي السلم بعد انتصار الحليفين حركة «امل» التي يرأسها رئيس مجلس النواب نبيه بري والحزب التقدمي نزع صفة «السلّم» عنه ليصبح اسمه «حي الكرامة» بقرار من رئيس الحركة ومجلس النواب حالياً نبيه بري، وهو الاسم الذي اعتمد للحي حتى عام 1987 عندما سيطر «حزب الله» على الضاحية وعاد الى الحي «سٌلّمه».

وما يزال «حي السلم» حتى اليوم الاكثر فقراً، ومنازله الصغيرة وشوارعه الضيقة تلهث كل صباح بحثاً عن لقمة العيش، انطلاقاً من موقف سيارات الاجرة عند مدخله الشمالي.

كذلك يعتبر «حي السلم» الافقر في الضاحية لجهة الخدمات، فلا ارصفة ولا شبكات للمياه التي تصل الى المنازل غالباً بواسطة صهاريج. والكهرباء وصلت اخيراً بطريقة شرعية بعدما استنبطت شركة الكهرباء طريقة جديدة في تصنيف الحي الذي لا توجد فيه عقارات مفروزة تمكن الشركة من تمديد شبكة لتوزيع الكهرباء. لكن الامر الواقع انتصر، وفضلت الشركة تركيب العدادات لمنع السكان من الحصول على الطاقة الكهربائية بطريقة غير مشروعة.

ويستمر «حي السلم» أو «مدينة الكرامة» في انتفاضاته، وزخم خزانه البشري في رسم تاريخ لبنان المعاصر منذ العام 1982، ومنذ كان معبراً إلزامياً للمقاومة هرباً من حاجز الجيش الإسرائيلي في منطقة خلدة...نعم يا سادة «حي السلم» في "الضاحية الشموس" ما زال منطقة محرومة مهملة يعيش فيها آلالاف الشبان وأيضاً الشابات يتواصلون، يشاهدون على هواتفهم الذكية كل شيء، نعم كل شيء، فيما الآخرون سواء في الاحياء القريبة أو حتى البعيدة لا يرونهم سوى عشائر، وشذاذ آفاق وتجار مخدرات، أيضا منطقة دعارة..."مدينة الكرامة" يا سادة قد تقلب الطاولة على الجميع...فهي تعيش على وقع خطب دينية...هل تذكرون الخطب الدينية التي أسست ما أسست...فتنبهوا واستفيقوا...وتذكروا أن «العزة والكرامة" بدات من تلك البيوت العشوائية في «مدينة الكرامة» وهي كانت «السلم» نحو المقاعد الوثيرة التي قد تكون سريعة الاحتراق وتحرق العباد والبلاد...

وأخيراً، رسائل «مدينة الكرامة»...هل ستجد رداً مناسباً تجنب البلاد التداعيات المُتناسلة منذ الرسالة الأولى التي أطلقت من منطقة قريبة منه في آب 1983... ومع أن «حي السلم» لم تنجسه آقدام الغزاة الصهاينة...لكن اليوم قد تكون أشباحه تعبث بالوطن من داخل أزقة الفقر والعوز في «مدينة الكرامة» في زمن «العزّة والكرامة»...لقد بات العدو في العمق وسقط "الخط الأحمر" ولم يعد العدو يتحصن خلف "الخط الأزرق" وليس خارج الحدود اللبنانية الدولية المعترف فيها ...


فما نحن فاعلون أم اننا ساهون مذهولون...بما حققنا ... بما جنت أيدينا من خيرات بلاد وبلاد...وخسرنا البلد وإبن البلد لولد الولد...


...لقد أطلق العدو رصاصة الانطلاق في قلب العاصمة في 6 حزيران 2020، مذكرا بوقائع ما حدث في مثل هذا اليوم عام 1982 ...



 


ليست هناك تعليقات:

مشاركة مميزة

  حصــــــــــــار المفـــكــــريــــــن الاستراتيجية والاستراتيجية المضادة المطلوب الثبات بصلابة أمام" حصار الداخل والخارج: إن التص...